-->
صدى المعرفة صدى المعرفة

دراسة تحليلية لمسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح..لعبد الكريم برشيد الجزء الاخير

دراسة تحليلية لمسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح..لعبد الكريم برشيد الجزء الاخير

مسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح.



دمج الأزمنة و الطابع الرمزي 

إن أحداث المسرحية ، بكل بساطة ، تجري في الماضي والحاضر على السواء ،لأن ابن الرومي وعصر ابن الرومي هما مجرد خلفية تاريخية يراد منها تعرية الواقع الحالي بطريقة ترميزية ( الزمن، إذن في المسرحية ، هو كل الزمن العربي ، والمكان هو كل المكان العربي ) على حد تعبير كاتب المسرحية نفسه. غير أن رمزية عبد الكريم برشيد في هذا العمل مصرح بمدلولها في الوقت ذاته، وهذا ما جعل اللعبة الفنية مكشوفة إلى حد كبير من البداية إلى النهاية . والذي خفف من أثر هذه التعرية على المصداقية الفنية للعمل أن السارد ابن دانيال وابنته دنيازاد أخبرانا منذ البداية أن اللعبة الفنية في المسرحية ستكون دائما موضوع تفكير ومناقشة ، وهذا يعني أن المسرحية تتضمن خطابا واصفا في تضاعيفها ( نقديا ) يتأمل سيرورتها، ويناقش وسائل الأداء الفني فيها. وهذا الإجراء مهم، ونحن نناقش تقنية دمج الأزمنة والأمكنة، على مستوى الرؤية الشمولية للواقع العربي في هذا العمل المسرحي المتميز. وهي شمولية تزداد اتساعا لتحتوي العالم الغربي أيضا ، عندما تعالج المسرحية قضية المرأة من خلال وضعية الجارية عريب 
غالبا ما تميل المسرحيات الاحتفالية إلى كسر دائرة الانغلاق الزماني والمكاني ، " فالزمن الذي يدور فيه الحوار المسرحي هو زمن معنوي لا حدود له ولا معالم ، فهو أشبه ما يكون بالأبدية .." . ومن أمثلة دمج الماضي بالحاضر زمانا ومكانا : يقول أشعب لابن الرومي: 
- هل نسيت أني راديو الحي ولا فخر 
فاسم أشعب يحيلنا إلى الشخصية التي عاشت في الماضي ، وكلمة راديو تشير إلى فضاء حديث
أما عريب فتقول في أحد حواراتها الذاتية:
- راقصة كنت في بيكال ... عارضة للأزياء كنت في باريس ... أنا عريب يعرفني نخاسو بغداد والقاهرة
وهكذا نجد شخصية عريب حاضرة في جميع الأزمنة والأمكنة . إنها تتحول إلى رمز كل امرأة في العالم تخضع للاستغلال.

لغة المسرحية

_ استخدام تقنية المسرح داخل المسرح 

أشرنا في البداية إلى أن من أهم مبادئ المسرح الاحتفالي تحويل المسرح إلى مجال لتحريك وعي الوعي ، أي جعل التشخيص المسرحي نفسه خاضعا للمساءلة والمناقشة والتعليق من داخل التشخيص نفسه . وهذا ما يطلق عليه التمسرح أو المسرح داخل المسرح.
ومسرحية ابن الرومي تكاد تكون مبنية من بدايتها إلى نهايتها على هذه التقنية ، فابن دانيال وابنته يفتتحان العرض المسرحي بظهورهما على الخشبة ، لكنهما بدورهما يحركان لوحات مسرحية بواسطة عربة خيال الظل التي تحتل ، بعالمها، جانبا من مسرحهما، فيتواريان ثم يظهران عند نهاية كل لوحة أو بدايتها للقيام بتحريك جديد أو إغلاق، يقول ابن دانيال في نهاية اللوحة الرابعة ممهدا لإطلاقه لوحات مسرحية : " سأحكي. سأحكي عن شاعر فقير يعيش مثلكم في أكواخ القصدير ، سأحكي عن ابن الرومي الجديد ... " . إن دورهما يماثل إلى حد كبير دور السارد في الرواية ، لكنه سارد من نوع خاص لأنه لا يكتفي بالتدخل بل يستعين بوهم إطلاق عالم التشخيص بواسطة آلة خيال الظل ، والمسألة هنا ليست سوى لعبة إيهامية لتكسير الرتابة المعروفة في العروض المسرحية التقليدية التي تقدم عرضها مباشرة للجمهور ، وهذا الإجراء شبيه بخاصية التغريب distanciation في مسرح بريخت أي تحويل المواقف اليومية لمعاناة الناس، بواسطة تدخل السارد، إلى واقع مدهش يستحق الاهتمام عبر إدراكها في حالة عزلة وغربة ، والهدف من ذلك تمكين الجمهور من الوقوف على مبعدة من الوقائع المعروضة ليصبح قادرا على اتخاذ موقف نقدي تجاهها ، أما الإجراءات المؤدية إلى خلق حالة التغريب فهي:
- إظهار تناقضات الشخصية 
- جعل الممثل يعرّف بدوره في نفس الوقت الذي يؤدي فيه هذا الدور 
- فتح إمكانية أداء أدوار متعددة في عرض واحد لممثل واحد
- استخدام الإنشاد والأحلام والمونولوجات الداخلية 
- إدخال السرد في نطاق الحوار ، فكل شخصية يمكن أن تتحول إلى سارد.
ومعظم هذه الخصائص سنجدها في مسرحية ابن الرومي في مدن القصدير مما يدل على أن للكاتب صلة ما بالمسرح البريختي.
تستخدم تقنية المسرح داخل المسرح أيضا على مستوى شخصيات المسرحية الأخرى حيث نرى مثلا جوهرة وحبابة في اللوحة السادسة تتقمصان دور رجلين وتتحاوران مع عريب التي تحتفظ بدورها الحقيقي كجارية:
- جوهرة ( وهي تمثل دور رجل) عجبا ترد لي مطلبا حقيرا وأنا من أنا . عريب، هل نسيت أنني أكبر المقاولين في بغداد؟
- عريب : ولتكن ...
- حبابة ( وهي تمثل أيضا دور رجل) وأنا هل نسيت مركزي في كل بغداد؟
يقوم هذا التشخيص المزدوج بتكسير رتابة التشخيص المسرحي ويجعل المشاهد يعيش حالتين في مشهد واحد. وهذا عامل أساسي في تقوية الوعي بالموضوعات المعالجة لدى الجمهور. 

_ السخرية

أساليب السخرية في الأعمال المسرحية وسيلة لإدراك المفارقات والمواقف المثيرة ، وهي لذلك بالغة الأهمية في إثارة انتباه المتلقي إلى عمق العيوب الفردية والتناقضات الاجتماعية . والسخرية من أهم الوسائل الفنية لبلورة مواقف الشخصيات وما يميزها من تعارض بين الأقوال والأفعال.
أبرز شخصية كانت موضع سخرية في هذه المسرحية شخصية المقدم الذي كان يستهلك خطابا معسولا ؛لكنه يخفي دائما وراءه أخبار السوء بالنسبة للبؤساء في مدن القصدير.
- رضوان: كلنا في الحي سواعد . نخيط ألوف الألبسة ولا نلبس إلا جلدنا
- حمدان: في سخرية ، هكذا إذا تركوا جلدك آمنا، (يضحكون)
- المقدم: أنتم نخبة هذا الحي ، من أجل هذا اخترتكم ... أخبروني أولا : هل تعلمون لماذا أتيتكم؟
- حمدان: جئت تحمل أخبار السوء كعادتك...
- المقدم: لا، قل غير هذا. 
- سعدان : فما رأيناك إلا رسول الشؤم والنحس.
ومن النماذج الجيدة لما يمكن تسميته بالسخرية الهادئة مقطع الحوار الذي يسخر فيه ابن الرومي من أشعب المغفل:
- ابن الرومي: نعم يا فاتح العينين وأعمى . عجبا ، رأيتني خارجا من المارستان وقلت عني مريض.
- أشعب: إنه المنطق يابن الرومي
- ابن الرومي: قل يا أشعب، وهل إذا رأيتني خارجا من عرس تقول عني العريس ؟
وتبلغ ذروة سخرية ابن الرومي من محاوره حين يسأله أشعب : كيف تراني (وهو يزهو مفتخرا ) عندئذ يقول له: 
- ابن الرومي: كالرقعة في سراويل المهرجين. 

_ الإضحاك

يضفي الإضحاك الحيوية على العرض المسرحي، وهو مظهر من مظاهر الاحتفال والفرجة . ولا يكون دوره عادة موجها إلى التعاطف الإنساني، بل إلى تحقيق مواصلة الانتباه بالنسبة للمتلقين ، وهو يقدم لذلك متعة عقلية أو تخييلية، إنه بمثابة مكافأة تقدم إلى الجمهور جزاء انتباهه إلى ما يعرض أمامه من مواقف وأحداث وآراء، فهو خاصية تعبيرية ومدلولية في وقت واحد ، لهذا يعد من الأدوات الفنية في التعبير المسرحي كالسخرية تماما ، ومن نماذجه: 
- أشعب: أخبروني أيضا ، هل أقوله ( يقصد الخبر ) واقفا كالخطباء أم جالسا كالعلماء؟
- دعبل الأحدب: قله وأنت طائر في الهواء.
- أشعب: بإمكاني ذلك أيضا.
- الجميع: ( في نفس واحد ) نعرف ذلك... 
إن توظيف عنصري السخرية والإضحاك من خصائص المسرح الشعبي ، وتقليد معروف في أنماط الكتابة المسرحية التي تقوم على الاحتفال ، إذ يشكل الفرح على الخصوص أحد مظاهرها الأساسية .
_ توظيف الأدب الشعبي و السرد الخطابي
من أهم علامات الاحتفالية في المسرح تحويله إلى مجال حيوي يستفيد من العادات والتقاليد والتاريخ والأدب الشعبي والأسطوري وجميع أشكال الفرجة الاجتماعية، كما أن توظيف خيال الظل يدخل في هذا الإطارالفني ويصبح آلية حيوية لتكسير رتابة المسرح التقليدي.
تستغل صور وأشكال الشخصيات الأسطورية على المستوى السينوغرافي كما هو واضح من الإرشادات المسرحية الخاصة بالديكور أو المؤثثة للركح:
" موسيقى مرحة تظهر على الستارة . صور ظلية ذات أبعاد تاريخية وأسطورية "
ويتم تأكيد حضور الحكايات الشعبية العربية القديمة على لساني السارد ابن دانيال وابنته دنيازاد:
- ابن دانيال: ( مقدما الصورة الأولى ) سيدنا علي.
- دنيازاد: ... فوق السرحاني...
- ابن دانيال: مع العاتي راس الغول ( موسيقى تختفي الصورة وتظهر أخرى )
- دنيازاد: الفارس المغوار.
- ابن دانيال: أبو زيد الهلالي... إلخ.
على أن توظيف المعطيات الواقعية للحياة الشعبية وغيرها من العناصر الاحتفالية ، إنما هو وسيلة فقط لتحريك الواقع والبحث فيما هو ممكن.
وقد سمح استخدام شخصيتين ساردتين أيضا بالتقليل إلى حد ما من الهيمنة التامة للحوار في اللوحات المسرحية . لذا تم توظيف المونولوج الذاتي ، إضافة إلى ما نسميه السرد الخطابي الذي يستلهم ما يشبه خطاب الحلقة بلغة غير دارجة ، ولكن بكثير من خصائص الخطاب الشفوي الذي نسمعه في الحلقات الشعبية . ومن أمثلته: 
- دنيازاد: ( تضحك ، تنادي في الجمهور المنشغل عنها ) 
ساداتي ، اقتربوا ... اقتربوا ...
سأحكي عن الملاحم الجديدة، عن حاملي المشاعل والبنادق،
عن زارعي الزيتون والورد والبرتقال
عن سواعد ترفع للسماء غدا وتهدم أمسا .

_ الديكور 

يرى "بارت" أن المسرح يبث عددا من الإرساليات المتزامنة ، أي في وقت واحد. وكل إرسالية لها إيقاعها الخاص ومدلولاتها الإخبارية الخاصة. وفي مقدمتها الديكور والملابس والإنارة والممثلون وحركاتهم وإشاراتهم وكلامهم . 
وفي مسرحية "ابن الرومي في مدن الصفيح" نتلقى كل المعلومات الخاصة بالديكور عن طريق اللغة في خانات الإرشادات المسرحية. وهي في الغالب مقاطع وصفية شبيهة إلى حد ما بمقاطع الوصف في الروايات. تبدأ اللوحة الثانية هكذا: " يرفع الستار عن ساحة تحيط بها مجموعة من دور الصفيح، وأخرى من قصب، ظلام شبه تام، تنبعث من النوافذ أضواء خافتة ترسلها شموع هزيلة... إلخ "
هذا بالنسبة للنص، أما في العروض التي قدمت لهذا العمل فالديكور سيكون حاضرا بجميع عناصره دفعة واحدة ، لكنه يتغير من لوحة إلى أخرى.
وعلى العموم فإن المسرحية حافلة بشتى أنواع التقنيات التعبيرية ووسائل الأداء الفنية ذكرنا معظمها ، وبقي أن نشير إلى الإنارة والظلال والموسيقى لتكتمل معالم الصورة الفنية للعرض المسرحي المفترض ، وهو عرض يمثل بجميع عناصره المتفاعلة مثالا دالا على الاتجاه الاحتفالي الذي تبناه برشيد خلال حياته الفنية الطويلة. 

_ الشعر والإنشاد

لتدعيم الطابع الاحتفالي والفرجوي طعّم برشيد الحوار المسرحي باللغة الشعرية وبالإنشاد . ويرتبط ظهور الشعر في هذه المسرحية بالحوار الذاتي، ويجري على لسان شخصية شاعرة هي شخصية ابن الرومي، إلا أن عنصر الإدهاش في هذا الإجراء هو أن ابن الرومي لا يلقي شعرا تقليديا كما نتوقع، بل يعبر عن حالته المتأزمة بشعر حر كالآتي :
" آه لو كنت أقرأ الرمل والكف 
لأنزع عن عيوني الأسيرة 
حديد القيد والقفل 
آه لو كنت بحارا أو عرافا من فينيقيا 
لأرحل في أحداق ساعة ،
أطوف الغد والآتي
ثم أعود بالنبأ..."
أما الإنشاد والغناء ، فغالبا ما يتصلان في المسرحية بتجسيد الأحزان الجماعية أو التحميس على ارتياد المواقف الإيجابية ذات البعد الاجتماعي. هكذا نجد أصحاب ابن الرومي من جيرانه في حي القصدير يحاولون بالغناء توجيه انتباهه إلى ما تمثله عريب من رموز وقيم عليا كان عليه أن ينتبه إليها:
- المجموعة: (تغني) عجبي لك يا مالك الشمس 
تغمض العين وتغفو
والناس في عرس ؟
- دعبل الأحدب: من بيته السماء وعريب الثريا
- عيسى البخيل : أبدا لا تغفو عينه
استخدام الشعر والغناء في هذه المسرحية يعكس غالبا مواقف أساسية لدى بعض الأبطال الطامحين إلى التحرر والانعتاق من ربقة الاستغلال والقهر. كما يعكس روح التضامن والألفة والنصيحة المتبادلة بينهم لأجل ترسيخ هذه القيم. لذا كان معظم الشعر والإنشاد في المسرحية جاريا على لسان الشخصيات التي تحمل هذه القيم، أما الشخصيات المناوئة لها فلا يرد على لسانها شيء من ذلك. 
القراءة التركيبية
لقد تبين لنا أثناء القراءة التحليلية أن هذا العمل المسرحي يمثل حلقة مهمة في تطور الكتابة المسرحية المغربية و العربية على السواء، وهو يلتقي إلى حد كبير مع بعض التجارب المسرحية الاحتفالية الأخرى كأعمال الطيب الصديقي على سبيل المثال لا الحصر.
وقد لاحظنا أن جميع المبادئ الاحتفالية كانت مجسدة في هذا النص، سواء من حيث الموضوعات أو من حيث وسائل التعبير والعرض المسرحي.
و أهم هذه المبادئ تحريك الواقع ومحاولة استشراف المستقبل، فموضوع المسرحية كما رأينا هو واقع التفاوت الحاصل بين فئة اجتماعية تسكن مدن القصدير وفئة أخرى تمعن في استغلالها. وقد عبر الكاتب عن ذلك بترسانة من الوسائل الفنية والتعبيرية المستمدة من التاريخ والتراث الثقافي العربي، واستطاع أن يعيد تشكيل قطاع اجتماعي نموذجي يمثل الإنسان الواقع تحت ظروف الاستغلال القاسية، كما عالج مشكلة المرأة ووسع نطاق دائرة الاستغلال التي تسحقها في القديم و الحديث، في العالم العربي وخارج العالم العربي. وتوسل في معالجة القضايا المطروحة ذات الأبعاد النفسية والعاطفية بآليات السخرية والإضحاك والتمسرح واللغة الشعرية والغناء والإنشاد والسرد الخطابي، ووصف مشاهد الديكور وأشكال الحكي الشعبي و الأسطوري، بالإضافة إلى حضور الخطاب الواصف في تضاعيف الحوار بين الشخصيات، وهو ما جعل المسرحية بمثابة مهرجان فني ودلالي ونقدي يستحق الاهتمام والتقدير.
ولعل هذا ما جعل النقاد المغاربة المهتمين بالمسرح الاحتفالي (وخاصة منهم عبد الرحمان بن زيدان) يرون أن < الاحتفالية كشكل من أشكال الوعي بالمسرح العربي، وبالتأصيل و السياقات العربية والعالمية، كانت تدعوا إلى معرفة هزات العصر وهزات الواقع وأعطاب التاريخ العربي، كي يسهل الدخول إلى زمن الكتابة الدرامية العربية كتعبير عن ارتباط الذات بموضوعها أو التعبير عن هذا الموضوع بأطروحات جديدة تبحث عن الممكن والمحال في اللغة وبناء الشخصيات وفي نقد خلل العلاقات داخل الوطن العربي >.
وعبر عبد الكريم برشيد نفسه عن الغاية الأساسية من الاحتفالية فقال:
< طموح الاحتفالية كان وما يزال أكبر وأخطر من مجرد تقديم نصوص مسرحية ولقاءات فنية، لأن الأساس هو إيجاد مجتمع عربي آخر يكون أكثر حقيقية وأكثر حيوية وأكثر صدقا وأكثر تحررا، وأن يكون الإنسان فاعلا بالمسرح ومنفعلا به (...) كذلك تهدف الاحتفالية إلى إيجاد مدينة فاضلة أخرى يعيش فيها الإنسان و يتعايش مع النبات وتختفي فيها الغابات الإسمنتية القاتلة....)


لقد نظر عبد الكريم برشيد إلى الاحتفالية من زاوية كونها حركة مسرحية تسير في ركاب النزعة الأنتربولوجية باعتبارها تحمل دعوة إلى الأصول، وفي هذا الصدد لاحظ حسن يوسفي أن << ظهور "الاحتفالية" كاتجاه مسرحي خرج من رحم مسرح الهواة كان مؤشرا على بروز ما نسميه بالحساسية الأنتربولوجية في المسرح المغربي، لاسيما وأنه اتجاه جعل من مسألة العودة إلى الأصول قضيته المركزية(...) إن هذا المنطق الذي يتقاسمه برشيد مع من دعوا قبله إلى الاحتفال في التقليد الغربي منذ جان جاك روسو حتى آخر تيارات الطليعة الغربية يترجم نزوعا نحو ترسيخ مختلف القيم الإنسانية التي يقوم عليها الاحتفال وعلى رأسها الحس الجماعي والتواصل المباشر، وهما- كما نعلم- خاصيتان أساسيتان لما سماه الأنتربولوجيون بـ: "المجتمعات الأصلية" >>.
وقد فهمت الاحتفالية في كثير من ردود الفعل النقدية السلبية بطريقة تبسيطية أي باعتبارها دعوة للاحتفال بمفهومه الظاهر أي الغناء و الرقص والفرح، وهذا ما جعلها عرضة لانتقادات عنيفة وخاصة من خصومها المسيسين. وقد انبرى عبد الكريم برشيد للرد على هذه الانتقادات وإعادة رسم معالم تصوره لمفهوم الاحتفالية مرات عديدة باعتبارها صورة حية عن الواقع الاجتماعي بكل مل فيه من فرح و حزن على السواء
.

                                                                                     ذ: محمد الدواس

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

صدى المعرفة

2016