إن
مسعانا في هذا التقديم لا يتغيا سوى إعطاء لمحة موجزة جدا عن بانورما الرواية
المغربية أما التفاصيل فتكاد لا تنتهي بدءا بإشكالات التأسيس وصولا إلى التجريب و
إشكالاته أيضا،أما الموضوع الذي سنحاول بسط القول فيه-وإن كان كبيرا لا يقبل
التقزيم-فهو رواية عين الفرس للأديب والفيلسوف الميلودي شغموم،الذي يعتبر رائدا من
رواد الرواية المغربية الحديثة إلى جانب أسماء قديمة/جديدة أثثت وماتزال تؤثث
بيبليوغرافية الرواية المغربية،وقصد الوصول إلى الغاية التي أشرنا إليها سلفا
فإننا وضعنا التصميم الآتي،عله يسعفنا في مقاربة بعض جوانب هذه الرواية الحبلى
بالواقعي والغرائبي: .
:عناصر القراءة التحليلية
-مقدمة
-العنوان
-الغلاف
-البناء
المعماري
-المضامين
-الشخوص
بين التقاطب والإنجذاب
-الأزمنة
بين التقاطب والإنجذاب
-الأمكنة
بين التقاطب والإنجذاب
-الأساليب
-تركيب
تأسيسا
على هذه النقاط التي سنحاول قدر المستطاع التطرق إليها نتساءل،ما هي مضامين هاته
الرواية؟ما الآليات التي توسل بها الكاتب؟
العنوان
العنوان؛"إنه
لمثير لشهية القارئ"حسب رولان بارث،ولاغرابة إذا أن يكتسي أهمية كبيرة عند
المؤلفين والقراء على حد سواء،حيث لطالما شكل الهاجس الأكبر للكتاب؛فهو الحبل
السري بين المتلقي والنص،أو بتعبير آخر إنه "البنية الرحمية لكل نص،وتشكل هذه
البنية بدورها سلطته وواجهته الإعلامية،لما تحمله من
وظائف:جمالية/تأثيرية/إغرائية/...تمارس على المتلقي إكراها يسهم بشكل أو بآخر في
توجيه عملية القراءة وتبئير انتباه المتلقي وربط نوع من التواصل بينه وبين
المقروء،إضافة إلى خلق نوع من التقارب بينهما،لتحريض المتلقي على القراءة والتلقي
ومحاولة تقليص المسافة بينه وبين المكتوب"،وعين الفرس عنوان لا نظن أنه يخرج
عن هذا النسق،ففيه دلا لات عديدة،فالعين مؤشر على عين الماء والجاسوس والنظر
والغمز والوعيد...والفرس مؤشر العنترية والإقدام...انطلاقا من هذه الدلالات نتساءل
ماذا يقصد الكاتب بعين الفرس؟
انطلاقا
من ثقافتنا نفترض أن الكاتب سيحدثنا عن اسم لمكان ما،كيف لا ولطالما سمعنا:عين
السبع،عين الذياب،عين أسردون....
إن
التوغل داخل دفتي الرواية سيسقطنا في مجموعة من الدلالات لهذا العنوان،حيث يعني
مكبر الصوت،يقول الراوي"وجيء بكبير المهندسين...فوضع أمامي جهازا صغيرا يشبه
عين فرس بعين واحدة...صوتك سيصل ...إلى كل أنحاء الإمارة بفضل عين الفرس هذه"،وفي
موقع آخر يظهر كاسم مكان،"...ليعود إلى عين الفرس ويفتح دكانا"،مكان
يعيش قساوة العيش وضن السماء،وذلك ما يشي إليه قول الراوي"توجد هناك أطنان من
البسطيلة اللذيذة التي تكفي لأكل عين الفرس عاما على الأقل"،ورغم ذلك فإنه
مكان يجذب السياح من كل فج عميق؛يقول الراوي على لسان الولد الرهيب:"تحدثت
معهم،فأنت تعرف أننا بفضل السياح المتوافدين على عين الفرس نعرف أشهر لغات
العالم"،بل هي مكان للنفي أيضا "كنت آنئذ في الكيس الذي أمر الجلاد
بوضعي داخله قصد إلقائي في شاطئ عين الفرس".
خلاصة
القول:عين الفرس-كما افترضنا ذلك- اسم مكان،وقد وصفه الراوي قائلا:"عين الفرس
مدينة شاطئية صغيرة مرتفعة عن سطح الماء ...تبدو للناظر إليها من جهة الشاطئ
و كأنها تتدلى،مثل باقات من الوردمن عنان السماء..."ويبقى المفهوم مطردا في
صفحات الكتاب دون أن يضيف جديدا إلى ما ذكرناه.
العنوان
يزيد من فضول القارئ ويؤثر فيه لما يوضع في طبق يغري بذلك،ونعني به الصورة التي
تزركش غلاف الرواية،وهو ما سيشكل قطب الرحى في النقطة التالية.
الصورة
تكتسي
الصورة أهمية كبيرة لدى الناشر،والكاتب أيضا،باعتبارها كما أسلفنا الذكر من
المحفزات على استكشاف عوالم النص،فما الصورة؟
إذا
كانت الصورة قلبا للحقائق وتشويها للواقع كما يذهب إلى ذلك بعض الفلاسفة،فإن إحدى
الأكاديميات المغربيات المختصات في نوع الروايةتعتبرها"علامة بصرية ندرك من
خلالها نوعا من محاكاة الواقع،وليس الواقع ذاته"،وعليه نتساءل ما هي
عناصر الصورة عندنا في هذا الغلاف؟وما هي إيحاءاتها؟
بداية
نشير إلى اختلاف صور الغلاف بين طبعتي الرواية،الأولى الصادرة سنة 1988،والثانية
2005عن نفس دار النشر-دار الأمان للطباعة والنشر والتوزيع-،وحتى لا نبتعد عن
موضوعنا،نبدأ بقراءة في صورة الطبعة الأولى:
حيث
تظهر لنا على الصورة مياه،نرجح أنها للبحر،وخلفه نخيل،وحصان داخل دائرة تشي إلى
غروب الشمس،هذا عن العناصر المؤثثة لفضاء الصورة،أما عن الألوان ،ونعلم ما لها من
تأثير بالغ على نفسية المتلقي،فيغلب عليها الإنغلاق،ولاسيما اللون
الأسود؛فقد استحال لونا للبحر بدل اللون الأزرق،ولونا للنخل بدل اللونين الأخضر
والبني،إنها ألوان لم تختر عشوائيا،بل تشي إلى شيء ما،والسبيل الوحيدلكنهه هو سبر
أغوار الرواية،غير أن ذلك لن يمنعنا من تقديم افتراض مسبق لهاته الصورة.
ربما يود الفنان أن يصور لنا حالة عين الفرس أنذاك،بحر ونخيل،إلا أن
الجوع والعطش هما السائدان،وإذا ما وازينا الصورة بتاريخ صدور
الرواية(1988)*،فستلفحنا رياح سنوات الجمر والرصاص كما وسمها المؤرخون،وتفشي
الأمية،وانتشار الشعوذة و الخرافة،علاوة على الجوع والعطش...إذا فالصورة و الألوان
لهما ما يبررهما-إن كان الأمر كما ذهبنا إليه-.
في
الطبعة الثانية،تظهر الصورة أكثر وضوحا،وابتهاجا،تزركش الألوان المفتوحة فضاءها،إذ
يظهر في الصورة منزل مستطيل الشكل،ونفس الشكل ينسحب على بابه ونافذتيه،أمامه
شجرتان؛غصونهما متشعبة ظلهما وارف،لونهما أخضر وفيها كذلك حصانان؛واحد يرعى
والثاني واقف أمام باب المنزل المصبوغ بالأبيض،والمبني بشكل حديث وجهتا سطحه على
شكل مثلث؛درءا للثلوج،وخلف المنزل نخل وعشب يبدو لونهما للعيان،والبحر بلونه
الأزرق في صفاء،ولربما يشير الفنان ها هنا إلى رغد العيش.ولئن عكسنا مرءاتنا على
عقد صدور الطبعة الثانية(2005) فسنلفي مجموعة من الإنجازات نحو:محاربة الفقر،الهدر
المدرسي،الأمية،فضلا عن المنظمات الحكومية والغير حكومية،لكن ابتهاج الصورة و
ظهورها في حلة جديدة لم يغير من مضمون الرواية قيد أنملة...مما يطرح التساؤل
الآتي:لماذا يتم تغيير صور الأغلفة من طبعة إلى أخرى؟
صفوة
القول:تشترك الصورتان في دلالاتهما على مكان-وإن اختلف تحليلنا لمضمونيهما-وتبقى
أبواب التحليل مشرعة أمام القراء والكلام الفيصل للنقاد المختصين،والحديث عن
المضمون سيجرنا إلى قلب النص،فما هو البناء المعماري للرواية؟وما مضامينها؟
البناء المعماري
وظف الميلودي شغموم بناء معماريا يخدم توجه نوعه الروائي،فقسم المتن
إلى فصلين،وكليهما يضم ثلاثة أبواب،وجاء التقسيم على النحو الآتي:
-الفصل الأول:رأس الحكاية ص5ـــــــ ص62
الباب
الأول:ع ص5ـــــ ص 16
الباب
الثاني:ي ص17 ــــــ ص48
الباب
الثالث:ن ص 49ـــــ ص 62
-الفصل
الثاني:الذيل والتكملة ص 65ـــــ
الباب
الأول:ع ص 65 ــــ ص 68
الباب
الثاني:ي ص 69ــــ ص118
الباب
الثالث:ن ص119ـــص 120
و
إذا قمنا بضم الحروف إلى بعضها فسنحصل على كلمة مهمة لها دلالتها في العنوان
والمتن،إنها كلمة عين التي ستشكل إلى جانب الفرس قطب الرحى في الرواية،أما رأس
الحكاية فيعني نقطة انطلاقة الحكي،في حين يفيد الذيل والتكملة الأحداث النهائية.إن
اختيار شغموم لم يكن وليد الصدفة و إنما يزيد قوة إلى التوجه الذي اختاره
الكاتب،ألا وهو مضمار التجريب،والذي سيتضح لنا جليا فيما سيأتي،وهنا مربط
الفرس،فما مضامين هاته الرواية؟
تنطلق
الحكاية الأولى باستفزاز السارد للقارئ انطلاقا من توظيفه لثنائية الحياة
والموت(ولدت..ومت..ولدت..ومت..) وهو أمر لا يمكنه أن يحصل للإنسان بالبت المطلق،في
قالب غرائبي يحكي أحداثا في زمن بعيد،ولربما هو استشراف للحاضر عبر نفق
الحكاية،لكن ليست أي حكاية،وتحثنا عن استدعاء الأمير بعد غيبة طويلة قصد
التعبد،وقبل أن يبدأ في حكيه احتار في البحث عن مبرر لغيابه عن مجلس الأمير،كيف لا
وهو من كبار حكواتي القصر،واستطرد الحكواتي في الحديث دون أن يلج إلى صلب
الحكاية،وجمهوره يتوقدون شغفا،لكنه ظل يناور في انتظار الإهتداء إلى حكاية-لأنه لم
يعد قادرا على الحكي،ويخشى أن يكتشف الأمير ذلك-وذلك ما تيسر له بعد أن تسلل إلى
المجلس طيف محمد النفال.
الحكاية
الثانية:تعضد الأولى،ذلك أن طيف محمد النفال،ذكره بالقصة التي كان قد حكاها له عن
المهدي السلوقي عن حميد ولد العوجة
والموسومة
بالولد الضال والرجل الطيب،حكاية لا تختلف عن نظيرتها الأولى،ذلك أنها تمور
بالغرائبي والعجائبي،اللذان يؤزان العقل أزا،حيث تتحدث الحكاية عن وجود أصوات تحت
البحر لم يهتد إلى أصحابها،علاوة على أضواء قوية،فضلا عن بسطيلة ومشوي،وكل من يذهب
إلى تلك النقطة لاستكناهها والعودة بالغنيمة لا يصل،وإن وصل لا يعو،مما يزيد من
غرابة القصة قسم أحدهم جهد أيمانه على صحة الرواية"لم أصدق،كما لا يمكن لأحد
مازال يتوفر على حد أدنى من العقل أن يصدق،ما رواه المهدي السلوقي،بالرغم من أنه
أقسم بالله...على صحة ما رواه"،مما القسم وسلطة العقل.
ولا
تكاد الحكاية تنفصل عن سابقتيها،إذ تروي عن قدوم أعوان الملك إلى منزل الحكواتي و
أخذه بالقوة من فراشه و أمام أعين أبنائه ليمثل أمام الأمير،دون أن يتمكن من معرفة
السبب،والحقيقة أن متهم بإخفاء معرفته بعين الفرس،وقد أمر الأمير بجلده ونفيه،وقد
كشفت لنا الحكاية أيضا عن اسم الحكواتي(محمد بن شهرزاد الأعور)واختتمت الحكاية
بظهور طيف محمد النفال من جديد،وهو يضحك،بيدما طفق ابن شهرزاد يلعنه.
هذا
عن رأس الحكاية،أما الذيل والتكملة فنسجل ما يلي:
يستهل
الراوي حكايته الأولى بوصف عين الفرس،وكيف أخرجه الصيادون من الكيس،ثم يستطرد أن
رأى الكثيرمن الناس ويتصور أنهم يعرفهم،وأنهم يعرفون صلته بالأمير وأنهم سمعوا
حكايته.كما قدموا له يد المساعدة،وفي الحكاية الموالية وهي الأكبر في الرواية
يحدثنا صاحبنا عن أحداث تسعين يوما ونيف التي قضاها في عين الفرس الفضاء الواقعي
بعدما كان مجرد رواية،وأهم ما طبع الحكاية هو الإختفاء المتواصل للناس،واستدعاؤه
إلى مخفر الدرك لاستنطاقه عما يعرفه عن عين الفرس،كما يصور لنا ما تقوم به ساكنة
عين الفرس في فصل الربيع من احتفالات مستعطفين البحر لإطلاق سراح الغائبين،ومن
مظاهر هذا الإستعطاف أن تأتي أكبر الفتيات سنا ثم تنادي على اسم الفتى الذي سيكون
لها زوجا إن رجع من البحر،ثم بعد ذلك يتم الشروع في ممارسة مجموعة من الطقوس،والتي
لا تدل إلاعلى تمسك هذا المجتمع بالخرافة والأوهام،بل إن فتاة تقول: إنها خطيبة
حميد ولد العوجة،أتت تخبره بعودته و أنه على الشاطئ،راجية منه أن يساعدها بعفاريته
وكتبه...فلما ذهبا إلى الشاطئ لم يجدا شيئا،ولم تخل هذه الحكاية من تساؤل وتأمل عن
مدى صلتها بالواقع،لذلك نجدها زاخرة بمفاهيم
نحو:المعقول/اللامعقول/الحقيقة/الواقع/فكر/شعور...
ولا
ننسى كذلك الذي ظل يشغل الراوي،ألا وهو سبب اهتمام سكان عين الفرس و كرم حفاوتهم
له،لكن الإفتراضات ظلت تتناسل دون أن ستقر على سبب محدد يشفي غليله.
وتأتي
الحكاية الأخيرة،لتخبرنا بمرور مدة الحكم بثلاثة أيام،والسبب
انقلاب
الأميران أبو المجد بنسعيد و أبي العز بنسعيد على نظام أبي سعيد بنسعيد،واقتسامها
الإمارات،كما تنبئنا بتوقف اختفاء الناس لمدة أسبوع،لكن سرعان ما عادت الإختفاءات
مجددا،ليسدل الستار عازما على أن يروي الحكاية أنى سنحت له الفرصة في كل قرية
وإمارة.بعدما لاح له طيف محمد النفال و قررا الرحيل معا.
محمد
النفال،محمد بن شهرزاد... الأعوار محركات ما كانت الرواية تستطيع أن تكون من
دونهم،ومن هذا المنطلق نتساءل ما الشخصيات التي وظفها شغموم للنهوض بعمله الروائي؟
الشخوص
بين التقاطب و الإنجذاب
حتى
نتفق إجرائيا،سنقوم باستعراض الشخصيات وبعض صفاتها-إن وجدت-لأننا إذا أردنا أن
توقف عند جميع الأوصاف،فإننا لن نجد محيدا عن نسخ الرواية،وسنتوسل لهذا الهدف
بالجدول التالي:
صفاتها العوامل
حكواتي(شهرزاد)لا
يدرك حقائق ظاهرة حوله(أعور)خارق لنواميس الطبيعة فهو يموت ويحيا وكأن عمره
بيده،كثير الفرضيات محمد بن شهرزاد الأعور
أمير،طاغية،تارف
أبي سعيد بنسعيد
الأميرال،خادم
الأمير أبو السعد بنسعيد
كبير
المؤنسين،أذن الأمير ولسانه الكبير
السارد
الذي تخيله بن شهرزاد،صديق المهدي السلوقي،هلك في عين الفرس،ضاحك طيف
محمد النفال
يسلين
الأمير المغنيات
يسلون
الأمير المهرجون
يسلون
الأمير الشعراء
يسلون
الأمير العلماء
صديق
محمد النفال،والذي حكى له الواية بدوره المهدي السلوقي
رجل
طيب مسالم،جائع،هلك في عين الفرس الطاهر المعزة
رب
سفينة سانتا ماريا
الإسبانية
سنيور خمنيث برادو
صاحب
دكان،مزواج،عاقم،بحار في سفينة سانتا دميا سابقا صالح الرعدة
شاب،مشاكس
للزبناء والمصطفين،السبب الرئيس في نزول الطاهر وزوجته فطومة بعدما أخبرهما بوجود
بسطيلة ومشوي في البحر،شاب ضال شرس وسط الجماعة جبان لما يكن لوحده
حميد ولد العوجة
صياد،صديق
المهدي السلوقي وهو الذي روى له الحكاية،لم يشهد الحكاية لكن سمعها من أحد أصدقائه
الصيادين مبارك بوركبة
خادمو
الأمير،جواسيس، المخبرين/الدرك/الجلاد
متحالفان،انقلبا
على نظام الأمير أبي سعيد بنسعيد أبو المجد بنسعيد/ أبي العز بنسعيد
جاءت
تستنجد بالأستاذ ليساعدها على انتشال خطيبها دون أن تنال مبتغاها
خطيبة حميد ولد العوجة
يتصايحون
كالخرفان الأطفال
كالبغال،يتنافسون
في تطبيق الأوامر خمسة رجال
كرماء،وقفوا
مع الحكواتي في منفاه و آزروه سكان عين الفرس
جماعة
ضالة،يتعاطون ماء الجوارب
جماعة حميد ولد العوجة
بداية
نشير أننا وظفنا مصطلح العوامل بدل الشخوص،نظرا لأننا لا نتحدث إلا عن آثار الواقع
في النص كما يذهب إلى ذلك رولان بارث،أما الشخصيات من لحم ودم فلا وجود لها إلا في
الواقع،إذا هي شخصيات من ورق كما يذهب إلى ذلك غريماص،ونلاحظ أن العوامل الموجودة
في الجدول،انطلاقا من أسمائها مليئة بالدلالات كما تحيلنا على الواقع المغربي الذي
درج على الألقاب الخلقيةأو الخلقية أو تصغير الأسماء،ونمثل لذلك مثلا بمحمد بن
شهرزاد الأعور،حيث تفيد شهرزاد ممارسته للحكي،في حين يفيد الأعور أنه لا يرى حقائق
واضحة أمامه،ونضيف للتوضيح أكثر صالح المعزة،وهو رجل طيب أناخ عليه الدهر بكلاكله
ولم يجد قوتا يسد رمقه ورمق زوجته وقد غرق بسبب ما رواه له حميد ولد
العوجة،وقد لقب بالمعزة لطيبوبته الكبيرة.وإذا كان هناك طيبون فإن هناك خبيثون،فما
علاقة محمد بن شهرزاد -محور أحداث الرواية- بالطرفين؟
العلاقة
كما أشرنا في العنوان تحتمل أمرين؛الإنجذاب أو التقاطب،ونبدأ بالأولى حيث نجد
انجذابا بين سكان عين الفرس و محمد بن شهرزاد الأعور حيث يبذلون قصارى جهدهم
لتقديم المساعدة له،فزوروا له أوراق المنزل حتى لا يصبح وقفا له،بل إن صالح الرعدة
قال له:"الدكان دكانك أسي محمد إلى أن يفتحها الله..."[10]،وانجذاب ابن
شهرزاد إلى محمد النفال لما التقاه في قطارات العجم كان السبب في سماعه الحكاية
التي كانت وراء نفيه،كما نضيف إلى علاقات الإنجذاب علاقته بأبنائه و زوجته،أما
التقاطب فنمثل له بعلاقته بالأمير وحاشيته من باقي الأمراء ورجال جيشه من جلادين
ودركيين ومخبرين،فالعلاقة هنا علاقة عمودية،بين أمير قوي ينتظر من السارد سماع
حكاية شيقة،بيدما ينتظر هو الرضى و المن والعطاء،لكن بعد انتهاء الحكي وقع ما لم
يكن في الحسبان،فقد اتهم صاحبنا بإخفاء علمه بعين الفرس المكان الواقعي،وقد تمخض
عن ذلك نفيه والحكم عليه بتجرع السم أمام الأمير بعد ثلاثة أشهر،فكان على مرمى حجر
من الموت لولا الإنقلاب الذي حصل،ونفس الحكم يجر ذيله على علاقته برجال السلطة من
درك ومخبرين فلا يملك إلا الرضوخ لأوامرهم،فقد استدعوه،أقصد الدرك إلى مخفرهم ولبث
هنالك أسبوعا،كما انهال عليه الجلاد جلدا لكنه لم يملك لنفسه حولا ولا قوة،ولا تكاد
علاقته تخلو من تقاطب مع كبير المؤنسين،فالسارد يتمادى في أسلوبه المشوق في بحث عن
الخلاص لأنه لم عد قادرا على الحكي،ولا يجرؤ على علم الأمير بذلك،في حين ظل الكبير
يستعجله لإرضاء الأمير.نافل القول لقد ساهمت هذه التقاطبات في تثوير الحكاية.
ولا
يخفى عن علمنا أن الأحداث يستحيل أن تجري خارج الزمكان،وعليه،نتساءل،كيف وظف شغموم
الأزمنة والأمكنة؟
الأزمنة
بين التقاطب و الإنجداب
يكتسي
الزمن أهمية قصوى داخل المؤلف،ذلك أن الأحداث تجري في زمن بعيد؛أي في المستقبل،وقد
وظف أفعال المضي بكثرة،وذلك في إطار يخدم مساعي الكاتب في الدخول بالرواية
المغربية إلى مصاف التجريب،ويحبل النص بمجموعة من الأزمنة نمثل لها بما ما يلي:
-الزمن
النحوي:لست،أمر،كاد،استجمعت،أرجو،سأرويها،تستطيع...
-الزمن
الفلكي:الليالي،الصباح،قبيل الفجر،العشاء...
-الزمن
النفسي :أشعر،انتشلوني،خفت،أستعطفه...
ويمكننا
تقسيمالزمن السردي في الرواية إلى:
-
استدعاء الراوي للقصر قصد الحكي من قبل الأمير في إحدى الليالي
الممطرات.
-
بدء الراوي في الحكي ليلا عن أحداث وقعت في عين الفرس.
-
اعتقال الراوي واتهامه بإخفاء علمه بوجود عين الفرس المكان الواقعي.
-
نفي الراوي والحكم عليه بتجرع السم بعد تسعين يوما.
-
تأمل الراوي في أحوال سكان عين الفرس لمدة تسعين يوما،و بحثه المستمر
عن السبب الذي يجعلهم يخصونه بهذه الحفاوة و الإهتمام.
-
الإنقلاب على الأمير،بعد مضي تسعين يوما ونيف على اعتقال الراوي.
إن
الحديث عن الزمان لا يستقيم دون الحديث عن المكان،فكيف وظف الكاتب الزمن إذا؟
الأمكنة
بين التقاطب و الإنجداب
خضعت
الأمكنة بدورها للتقاطب والإنجذاب،فالسارد قد اعتكف في بيته للتعبد والزهد،لكن
نداء الأمير نغص عليه هذا الإنجذاب،ثم يعود إلى بيته من القصر بعدما حكى حكايته
للأمير،والتي كانت السبب في نفيه،ليزداد تقاطبه مع مكان اختاره لنفسه،ألا وهو
بيته.ولعل السمة التي تطغى على هذه الأمكنة،هي انطلاقها من فضاء صغير يزداد في
التوسع والشساعة،إذ كانت بدايتها من المنزل مرورا بالقصر وصولا إلى المنفى،الضيق
بالرغم من شساعته.
تأسيسا
على كل ما رأينا ما الأسلوب أو بالأحرى ما الأساليب التي وظفها الميلودي شغموم
لربط الأحداث والعوامل والزمان والمكان؟
الأساليب
توسل
الكاتب بأسلوبين مهمين؛أسلوب الكتابة السردية العربية القديمة،ثم أسلوب الحياة
اليومية،وذلك ما نستجليه من قراءتنا الأولى للرواية،حيث يتجلى الأول منذ بداية
الحكي،يقول الراوي"الوقائع الغريبة التي سأرويها لكم في هذه الحكاية-وضمنها
قصة الولد الرهيب و البنت العجيبة-وقائع حدثت سنة 2081"[11]،وتمثل هذه
العبارة واحدة من التعابير التي اتسمت بها الكتابة العربية في مطلع القرن
العشرين،كما استعملها أيضا صناع الفرجة أو "لحلايقية"كما يسمون بالعامية
المغربية؛الحكواتيون منهم،وزد على هذا قوله في موضع ثان"وبعد،هذه،يا مولاي،هي
الحكاية التي وقعت في تلك المدينة البعيدة جدا عن إمارتكم،...حفظ الله مولاي
الأمير و أبعده ورعيته عن كل مكروه،الفاتحة والختم من سيدي"[12]،وهذا التعبير
مستلهم من السرد العربي القديم،أما الأسلوب الثاني،فيظهر جليا في دلالات أسماء
الأشخاص من قبيل:المعزة،الرعدة...،وفي الحوارات بين الشخوص أيضا:
"-قال
حميد:
-المشوي او البسطيلة؟
-قال
الطاهر:
-المشوي
...البسطيلة شيء واحد قل لي يا ولدي من رمى المشوي في البحر بهذه الكمية الهائلة؟"
ويوظف
الكاتب أيضا،أسلوب المزج بين المعقول واللامعقول،مما يسهم في إضفاء الطابع
الغرائبي العجائبي على الرواية،حيث إنه يولد ثم يموت،ثم يبعث من جديد ويموت وهكذا
دواليك،كما استثمر أيضا أسلوبا حديثا في روايته يقوم على كسر خطية السرد و غياب
الروابط بين الحكايات،وتلكم مسؤوليةالقارئ،لكن ليس أي قارئ،إن رواية شغموم تتطلب
قارئا جيدا حسب تعبير إيزر، و الروائي لا يتحمل
أي سوء للفهم أو عدم الفهم،يقوا الراوي"بعض الناس يتصورون أني
أتفلسف الآن...الآن...أبدا،إني مازلت أحكي،و إذا كانوا عاجزين عن إدراك الحكايةفي
شمولها فهذا ليس ذنبي"،هذا إن دل على شيء فإنما يؤكد ما قلناه الراوي لا يريد
متلقيا أو قارئا كلا كما يتأسس أسلوب الرواية على حكاية إطار؛حكاية محمد بن شهرزاد
الأعور وفي جوفها حكايتا"الولد الضال والرجل الطيب"و"الولد الرهيب
والبنت العجيبة"،كما عارض الكاتب روايات الخيال العلمي التي تجري أحداثها في
الزمن المستقبل؛إذ جعل أحداث روايته في سنة 2081،كما استعمل لغة تفيض بالشاعرية،
يقول الراوي:"عين الفرس مدينة شاطئية صغيرة مرتفعة عن سطح الماء ...تبدو
للناظر إليها من جهة الشاطئ و كأنها تتدلى،مثل باقات من الوردمن عنان
السماء...،فضلا
عما قلناه وظف الكاتب أسلوبا سرديا يعتمد على تناوب الرواة،محمد بن شهرزاد،محمد
النفال...،كما يطغى على الرواية ضمير المتكلم مما يتيح للشخوص الكشف عن دواخلها
ومكنوناتها،دون أن يلت ذلك من تشويق الرواية
عرضنا
في ما مضى لأحداث الرواية وزمكانه ومضمونها،لكن هل الرواية مجرد حديث عن محمد بن
شهرزاد ومن لف لفه،أم أن الرواية تحبل بأشياء أخرى؟
تركيب
إن
رواية الميلودي شغموم لم تأتي من باب الترف الفكري،ولكنها جاءت صرخة مدوية لما
يجري من فساد وقمع للحريات في المجتمع؛أمراء يأكلون الأخضر واليابس،ورعيتهم تعيش
على الضياع والجوع،مما يجعلهم يصدقون مجموعة من الأساطير والاوهام ولو على حساب
حياتهم،وما رأيهم إلا ما يرى السلطان في غياب الحرية السياسية،كما تلفت الرواية
اهتمامنا إلى التعذيب الجسدي والنفسي الذي يطال المعتقلين،فضلا عن نفيهم و كأنهم
جاءو شيئا فريا،كما أثارت مشكل الفقر المدقع سواء الناتج عن الجفاف أو عن استيلاء
الشخصيات النافذة على خيرات البلاد مما يزيد الطبقات المسحوقة قهرا وجهلا وتنكيلا...إنها
صرخة كما أشرنا إلى ذلك آنفا في وجه الإستبداد والإستعباد التي تعيشها طبقات لا
تملك لنفسها ضرا ولا نفعا مما يجعلها دوما تابعة لفرعون،ولتصوير هذه
القضايافإن السارد اعتمد تعدد الرؤى،حتى يتسنى له محاصرتها من جميع الزوايا وتصل
الرسالة واضحة وبعد أن عرضنا للنقاط التي طرحناها في التقديم،أين يمكننا
تصنيف،أو بالأحرى أين صنف ذووا الإختصاص رواية الميلودي
شغموم؟
الشخوص،والتي
حولنا أن نبين بؤر انجذابها وتقاطبها.وهنا نعود إلى التساؤل مجددا،أين صنف النقاد
رواية الميلودي شغموم؟
نسارع
بإجابة الدكتور الطاهر رواينية من الجزائر"تشكل رواية عين الفرس...الاستثناء
بالنسبة الى الكتابة الروائية العربية ،وذلك من خلال انتهاكها لعادات الحكي والسرد
وتعاملها مع الزمن الروائي تعاملا،يجعلها تندرج ضمن الأعمال العجائبية،التي تحاول
أن تستشرف مستقبلا متخيلا،وهي بذلك تؤكد الوظيفة الإستكشافية والتحويلية للمتخيل
الروائي في مقابل الزمن التاريخي الذي يقدم كماض واقعي،ومن خلال التجربة اللاوقعية
التي تصورها القصة المتخيلة تسقط رواية عين الفرس أي تماثل بينها وبين التاريخ
والواقع،بل تعمل على جعل المتخيل مقدمة مرجعية للواقعي الذي تتنبأ به الحكاية.
وفي الختام هذه الرواية حاولت ملامسة الواقع
المغربي بصفة خاصة في مرحلة مابعد الاستعمار
مجسدة اهم الاكراهات والصعوبات التي وجهت بعض
فئات المجتمع’ ونجحت في رصد التفاوت الطبقي
وبعض الاختلالات وانواع الفساد المستشري.
شخصيات عين الفرس وصفاتها
ردحذف