-->
صدى المعرفة صدى المعرفة

في النقد الأدبي الحديث :المنهج الاجتماعي ورواده



برز المنهج الاجتماعي كحركة نقدية موجهة للأدب في بداية القرن التاسع عشر حين تغلبت النظريات الاشتراكية والرأسمالية على النظم الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، فظهرت طبقة من النقاد ترى أنَّ الأدب في خدمة المجتمع، أو هكذا ينبغي أن يكون، وأنَّ النقد يصبح عديم الفائدة إذا تحجَّر أمام جمال النص أو رداءته، والأَولى أن ينظر النقد إلى العمل الأدبي على أنه جزء من نظام الحياة العام، فيحدد الأهداف التي يرمي إليها، والفكرةَ الاجتماعيةَ التي يعكسها، وقد رفضت هذه الفئة من النقاد كلَّ أشكال التحكم والسيطرة على مقدرات الشعب وثرواته، فحاربت البرجوازية والإقطاع بأشكالهما الاقتصادية والأدبية، وشجبت الأعمال الأدبية المؤيدة لهذه النظم القاسية.
رواد المنهج الاجتماعي:
لقد تجاوبت صيحات هؤلاء النقاد الاجتماعيين في معظم الدول العربية، فنسمع في لبنان عن عمر الفاخوري صاحب مدرسة التحرر الفكري، يقرر: أنَّ الأدب كسائر الفنون الجميلة ظاهرة اجتماعية أصلًا، ووظيفته اجتماعية فعلًا، ويكتب في مهاجمة النازية، والفاشية، وينتصر للديمقراطية.
سلامة موسى: يعد من أوائل الداعين إلى أدب جديد يخالف الأدب الملوكي القديم، أو أدب الترف الذهني، والتسلية على حد رأيه، يدعو إلى أدب بعيد عن التنميق متصل بالواقع أتَمَّ اتصال، كما يحارب الاستسلام لكل الغيبيات حين يعالج مشكلات الناس.

     
فهو في منهجه الاجتماعي لا يبدي اهتمامًا بالعنصر الجمالي للعمل الأدبي، ويرى: أنَّ الكاتب كلما اهتم بالشكل ابتعد عن خدمة المجتمع، وأنَّ هذا تطرف في تغليب الغرض الاجتماعي في المضمون على الغرض الجمالي، والمعروف أنَّ العمل الأدبي السليم لا بد له من الجانب الجمالي.
ويرى سلامة موسى: أنَّ التملق آفة الأدب، وهو يشوه الواقعية السليمة التي ينبغي أن يصورها تصويرًا حيًّا، وهو هنا يعرض بطه حسين والعقاد اللذين سايرَا الملك، فقد عاب سلامة موسى على طه حسين وصفه للملك فاروق بصاحب مصر، وبأن سلوكه الشخصي يعتبر قدوة للمواطنين، كما عاب على العقاد أنه وصف الملك فاروق بالفيلسوف، في حين أن هؤلاء الحكام وبخاصة الملك علة الأدب والفن، وطبعًا يدخل سلامة موسى السجن بتهمة التعدي على النظام.
ويفسر سلامة موسى اهتمام طه حسين والعقاد بالأدب القديم: أن هذا الأدب ملوكي، وأن المجتمع العربي نفسه كان أميريًّا إقطاعيًّا، ولهذا جاء الأدب منافقًا لم يهتم بقضايا المجتمع، ويرد طه حسين على هذه الآراء، فيتهم موسى بالشعوبية، ويرى أن الأدب العربي لن يضيره سخط عليه، ولكنه لا ينكر التهمة، فيقرر: أن الملوك والأثرياء اتُّخِذوا وسيلةً لإنتاج الأدب في بعض الظروف، وأن الأدب يلاءم البيئة التي ينشأ فيها على كل حال.
كانت رسالة الأدب في منهج سلامة موسى تربوية، تغير المجتمع وتُعنَى بمعالجة شئونه، كما كان يرى: أن الأدب للحياة والإنسانية والمجتمع، وأنه ليس نكتة بديعة، أو بيتًا رائعًا، وإنما هو ارتقاء وتطور لتعميم الخير والشرف والإخاء والحب، ومما يلاحظ: أن سلامة موسى لم يكن ماركسيًّا، بالرغم من دعوته إلى سيادة الاتجاه الاجتماعي في الأدب، وبالرغم من كتابته عن أدباء الروس أو تبينه لاتجاهات الأدب الروسي على أن دعوته هذه كانت عاملًا لاشتداد عود الأدب الاجتماعي في الخمسينيات، استظهر جماعة من النقاد الواقعيين الذين بالغوا في رسالة الأدب الاجتماعية، واتخذوا من بعض أجناس الأدب كالقصة مثلًا وسيلةً دعائيةً لفكرهم السياسي والأدبي، يخدعون بها الدهماء، ويضللون البسطاء من عامة الشعب،.
ولعل العقاد كان أبرز المدافعين عن الأدب أمام هذا التيار الجديد، فهو يسخر من هؤلاء الواقعيين، ومن كتاباتهم المضللة، فيقول: عند هؤلاء أن القصة أشرف أبواب الأدب؛ لأنها تُكتب للجهلاء، وتصلح لبث الدعاية الشيوعية، وعندهم أنها لا ينبغي أن تُدار على موضوع غير موضوع القضايا الاجتماعية، كأنهم يضربون الجهل على الفقير ضربة لازم.
الناقد محمد مندور: وهو من أبرز النقاد الاجتماعيين الذين نرصد اتجاهاتهم النقدية، والذي يُعد من المؤسسين للفكر والفلسفة الاشتراكية في الأدب، فقد حمل طويلًا شعارَ "الأدب نقد للحياة"، وتجلى هذا الشعار في إعجابه بالأعمال الأدبية ذات المضامين الاجتماعية الواضحة، فهو يعجب برواية (زينب) لمحمد حسين هيكل، ويعتبره رائد الواقعية، كما يعجب بـ(ليلي صبيح) لحافظ إبراهيم؛ لتضمنه مواقف اجتماعية خالدة، غير أنه يعيب على حافظ اهتمامه البالغ بلغته، مما يفسد المضمون في أغلب الأحيان.
ومن الإنصاف أن نذكر أن محمد مندور لم يعتنق الاتجاه أو المنهج الاجتماعي في الأدب بشكل متطرف، فلم يكن الأدب وسيلةً لإبراز القيم الاجتماعية فحسب، وإنما كان له القيمة الجمالية التي ينبغي على الناقد إبرازها وتأصيلها، والأدب في نظر مندور انعكاس لحالات شعورية وانطباعية قبل أن يكون قيمًا وغاياتٍ اجتماعيةً، ففي كتابه (النقد والنقاد المعاصرون) يعرب عن اتجاهه النقدي، فيقول: لا نستطيع أن نغفل التأثرية في العملية النقدية، بل لا ينبغي لنا ذلك، فلا بد من أن يبدأ الناقد بتعريض صفحة روحه أو مِرآة روحه للعمل الأدبي أو الفني؛ ليتبين الانطباعات التي تتركها تلك الأعمال فيها، والناقد الفاقد الحساسية لا يستطيع أن يكون ناقدًا حقًّا ما لم يكن قادرًا على أن يتلقى من العمل الأدبي أو الفني انطباعات واضحة؛ لأنه عندئذٍ سيكون كالصفحة المعتمة أو المرآة التَربة، ولن تجديه بعد ذلك في شيء جميعُ قواعد علم الجمال وأصوله ونظرياته، أو ألوان الأدب والفن المختلفة.
على أنَّ منهجه الاجتماعي في النقد يظهر بوضوح في كتابه (في الميزان الجديد) حين يؤكد أن الأدب معاناة مأساوية، يصدر عن تجربة اجتماعية وجمالية معًا، فهو يربط إذًا بين تذوقه للجمال وَفق القوانين الفنية التي كَوَّنت مذهبه النقدي، وبين البحث عن الهدف الاجتماعي، وفي هذا الإطار يرفض مندور كل الدراسات النقدية التي لا تقوم على هاتين الغايتين.
وهكذا، يظل مندور ناقدًا اجتماعيًّا يرى أنَّ الأدب لا يتجرد عن قضايا المجتمع، ويتمسك بها بجانب تمسكه بالقضايا الجمالية المحضة.



المراجع والمصادر
1.       أحمد أمين، (النّقد الأدبيّ)، القاهرة، مكتبة النّهضة المصريّة،1972م
2.       السحرتي مصطفى عبد اللّطيف السّحرتيّ (الشّعر المعاصر على ضوء النّقد الحديث)، جدة، تهامة، 1984م
3.       خفاجي محمد عبد المنعم خفاجي (البناء الفنيّ للقصيدة الأدبيّة)، مكتبة القاهرة، 1953م
4.       علي عشري زايد (بناء القصيدة العربيّة الحديثة)،  القاهرة، مكتبة الشّايب، 1991م
5.       حسن أحمد  الكبير (تطور القصيدة الغنائيّة  في الشّعر العربيّ الحديث)،  القاهرة، دار الفكر العربي، 1968م
6.       محمد زغلول سلام (دراسات في القصة العربيّة الحديثة)، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1973م
7.       علي  علي صبح (الصّورة الأدبيّة تاريخ ونقد)، القاهرة، الحلبيّ، 1983م
8.       علي علي صبح (المذاهب الأدبيّة في الشّعر الحديث لجنوب المملكة العربيّة السّعوديّة)، جدة، 1984م
9.       محمد مندور (الأدب وفنونه) ، القاهرة، دار نهضة مصر، 1980م
10.   محمد مندور (الأدب ومذاهبه)، القاهرة، دار نهضة مصر، 1998م
11.   محمود تيمور (دراسات في القصة والمسرح)، مكتبة الأدب ومطبعتها، 1961م
12.   عبد العزيز الدسوقي (جماعة أبوللو وأثرها في الشّعر الحديث)، الهيئة المصريّة العامة للتأليف والنّشر، 1391هـ
13.   محمد يوسف نجم (المسرحيّة في الأدب العربيّ الحديث)، دار  بيروت للطباعة، 1956م
14.   أحمد أحمد بدوي (أسس النّقد الأدبيّ عند العرب)، دار الثّقافة، 1985م
15.   عباس محمود العقاد (الدّيوان في الأدب والنّقد)، الهيئة المصريّة العامة للتأليف والنّشر، 1980م

إعداد/ أحمد عبد الحميد مهدي
  1. السلام عليكم ورحمة الله.
    أبحث عن موضوع متكامل في:المنهج الاجتماعي في النقد والأدب وجزيتم عنا كل خير.

    ردحذف
  2. اريد خصائص وتعريف ومادئ النقد الاجتماعي عند سلامة موسى وشكرا

    ردحذف

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

صدى المعرفة

2016