رائد شعر الغزل العذري جميل بثينة
الشَّاعِرُ الأُمَويُّ: جَمِيلُ بُثَينَةَ (ت 82هـ)
مقدمة:
الغَزلُ العُذريُّ نقيٌّ طاهرٌ،
نُسِبَ إلَى بنِي عُذرَةَ إحدى قبائِلِ قُضاعةَ التي كانَتْ تَنزِلُ بِوادِي
القُرى شَمالَ الحجازِ، فأغلبُ شعرائِها أكثَرُوا من التَّغنِّي بِهِ ونظمِ
الشِّعرِ فِيهِ. ولم يَكُنِ الحبُّ العُذرِي منتشراً في قُضاعةَ وَحدَها بل
تَعدَّاها إلى وادِي نَجْدٍ والحجازٍ، وخاصة بنِي عامر، حتَّى أَصبحَ ظاهِرة
عامَّة تَحتَاجُ إلَى دِراسةٍ وتفسيرٍ، ولا شَكَّ أنَّ شيئاً مِن تَفسِيرِها
إنَّما يَرجِعُ إلى الإسلامِ الَّذِي طهَّر النُّفوسَ، وزكَّى القُلوبَ، وجَعَلَ
الإنسانَ في أعلَى مراتبِ الخيرِ والفَضلِ.
وكانَتْ هذِهِ النُّفُوسُ طيِّبة
لم تَعرفِ الحياةَ المتحضِّرةَ ولا ما يُطوَى فِيها مِن لهوٍ وعبثٍ ومِن تحلُّلٍ
أحياناً من أَخلاقِ بعضِ الشُّعراءِ كالأحوصِ والعَرجِيّ، وهِيَ مِن أجلِ ذلِكَ لم
تَعرفِ الحبَّ الصَّريحَ الفاضِحَ الَّذِي تَدفَعُ إلَيهِ الغرائِزِ، فقد كانَتْ
تَعتزُّ بِبَداوتِها وتَفتَخِرُ بِأنسَابِها، وتَعِيشُ بِإسلامِها الحَنيفِ،
وتَسمُو بِهِ فلا تَقترِبُ مِن الحبِّ الفاضِحِ، وإنَّما تَعرِفُ الحبَّ العَفيفَ
الَّذِي يُشعِلُ المحبُوبَ بِنارٍ بينَ جوانِحِهِ وفِي أَحشائِهِ، حتَّى لكأنَّه
مَرضٌ أو داءٌ عُضَالٌ ألمَّ بِهِ، أو مِحنةٌ صَعبةٌ وَقَعَ بِشِركِها، فهُو
يُحاوِلُ النَّجاةَ مِنها ولا نَجاةَ.
وِلادَتُهُ وَنَشأَتُهُ:
ونحنُ الآنَ مَعَ شاعرٍ اقترنَ
اسمُهُ بِهذا الفَنِّ، بل إنَّهُ مِن أَشهَرِ شُعراءِ العُذرِيِّينَ، وَقِصَصُهُ
فِيها بَسَاطةٌ وسَذاجةٌ وعُذوبةٌ، قِصصٌ تُصَوِّر حَياةَ هؤلاءِ العُشَّاق
المتَبَدِّينَ إنَّهُ جميل بنُ عبد الله بن مَعْمرَ العُذرِيُّ القُضَاعِيُّ،
ويُكنّى أبا عَمرٍو (ت 82 هـ) شاعِرٌ ومِن عُشَّاقِ العربِ المشهُورينَ. كانَ
فَصِيحاً مُقدمًا جامعًا للشِّعرِ والرِّوايةِ. وكانَ فِي أوَّلِ أمرهِ راويةً
لشعرِ هُدبةَ بنِ خَشرَمِ، كما كان كُثَّيرُ عزَّة راويةً لَهُ فِيما بعد. لُقِّبَ
بِجَميلِ بُثَينةَ لحبِّهِ الشَّدِيدِ لَهَا وجَميلُ بنُ عبداللهِ بن مَعْمرٍ
أَصابَهُ ما أصابَ غَيرَهُ من هؤلاءِ الشُّعراءِ العُذرِيِّينَ، فَقَد أَحبَّ
ابنَةَ عمِّهِ بُثينةَ بِنتَ حبَأ بنِ حُنٍّ بنِ رَبيعةَ، مِن عُذرَةَ، فَهِيَ
ابنَةُ عمِّهِ تَلتَقِي مَعَهُ فِي حُنٍّ مِن رَبِيعةَ فِي النَّسَبِ، وكانا
يُقِيمانِ بِوادِي القُرى، وهُوَ مَوضِعٌ فِي الحِجازِ قَريبٌ مِن المدينةِ،
وقِيلَ إنَّهُ أحبَّها وهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ، وَهِيَ جُويريَّةٌ لم تُدرِكْ،
ويَرووُنَ علَى ذلِكَ خَبَراً مُستَطرَفَاً، قِيلَ فِيهِ إنَّ جميلاً أَقبَلَ
يَوماً بِإِبِلِهِ حتَّى أَورَدَها وَادِياً يُقالُ لَهُ بَغِيض، فَمَرَّت
بُثَينةُ وَمعَها جَاريةٌ فَضَرَبَتْ إِبِلَهُ فَسَبَّها جَمِيلٌ فَردَّتْ علَيهِ
شَتِيمتَهُ، فَاستَملَحَ سِبابَها، فَقَالَ:
وأوَّلُ ما قَادَ المودَّةَ
بينَنا
بِوادِي بَغِيضٍ -يا بُثَينَ
-سِبَابُ
فَقُلْنا لَها قَولاً فجاءَتْ
بِمِثلِهِ
لِكُلِّ كلامٍ، يا بُثَينَ،
جَوابُ[1]
وَبُثينةُ الَّتِي أَوحَتْ
إلَيهِ الغَزلَ الجَمِيلَ الَّذِي لم يَعرِفِ الشِّعرُ العَربِيُّ القَديمُ أَوقَعَ
مِنهُ أثراً في النَّفسِ، ولا أبلغَ مِنهُ تَحرِيكاً لِلقَلبِ وإثارةً
لِلعَاطِفةِ، لا يَقتصِرُ علَى التَّشبُّبِ بِمحَاسِنِ المرأةِ بل يُضِيفُ إلَيه
شَيئاً مِن الرُّوحانيَّةِ يُعنَى بِنفسِ الشَّاعِرِ ومشاعِرِها وآلامِها
وآمالِها، وربَّما كانَتْ عِنايَتُهُ بِنفسِهِ أكثرَ مِن عِنَايتِهِ بِوَصفِ
مَحبُوبتِهِ، فلا يَكادُ يَذكُرُها حتَّى يَنصرِفَ إلَى بثِّ شَكواهُ وما
يُلاقِيهِ مِن تَبارِيحِ الهَوى والبُعدِ والجفَاءِ والحِرمانِ، صَادقَ اللَّوعةِ،
عفَّ الضَّمير واللَّسانِ، رَصِينَ التَّعبيرِ لا يَتبَذَّل.
والغَزلُ العُذرِيُّ تَشُعُ
مِنهُ حَرارةُ العاطفةِ، وشِدَّةُ الأشواقِ، وهُوَ يُصوِّرُ خَلجاتِ النَّفسِ،
وفَرحةَ اللِّقاءِ، وألمَ الفِراقِ والرَّحِيلِ، ولا يَحفُلُ بِجمالِ المحبُوبةِ،
بِقَدر ِما يَحفُلُ بِجَاذبِيتِها، وسِحرِ نَظَراتِها، وقوَّةِ أَسرِها، ومِن ثمَّ
يَقتصِرُ فيهِ الشَّاعرُ علَى محبُوبةٍ واحِدةٍ طَوالَ حياتِهِ، أو مُدَّةً
طَوِيلةً مِن حَياتِهِ [2].
ويَرَى الدكتور شكري فيصل أنَّ
هذا الغَزَلَ كونَهُ ظاهِرةً اجتِماعيَّةً وفنِيَّةً لَيسَتْ مُنفَصِلةً عمَّا
قَبلَها وعمَّا بَعدَها، فهِيَ تَنمُو كَمَا نَمَتْ النَّبتَةُ شَيئاً فَشَيئاً،
إلَى أنْ تَستَويَ علَى ساقِها[3].
وكذلِكَ رأى الدكتور صلاح الدين
الهادي أنَّ الغزلَ العُذريَّ كانَ ثمرةً للقِيمِ الأخلاقيَّةِ والروحيَّةِ
الَّتِي بثَّها الإِسلامُ فِي البَادِيةِ العَربيَّةِ، والَّتِي صَنَعَتْ نُفُوسَ
الشَّعراءِ العُذرِيِّينَ وأحالَتِ العِشقَ فيِها إلَى البَراءةِ والعِفّةِ
والطَّهرِ.[4].
شِعرُهُ:
ولَقَد عُنِي الرُّواةُ
والنَّاسُ بأشعارِهِ، كما أنَّ المغنِّينَ قد عُنُوا أشدَّ العِنايةِ بِهِ، وهِي
أَشعارٌ مُعظَمُها في التَّغنِّي بمحبوبَتِهِ بُثَينَةَ، إِحدَى نِساءِ قَبيلتِهِ،
تحابَّا صَغيريْنِ، ولم تَلبَثْ أنْ كانَتْ سَبَباً في إلهامِهِ الشِّعرَ. فقد
أحبَّها حُبَّاً بلغَ درجةَ الهُيامِ، فَعَرَفَتْ مِنهُ ذلِكَ فَمَنَحتْهُ حبَّها
وحَنانَها وعَطفَهَا.فَقَالَ:
أَلا لَيْتَ شِعري هَلْ
أَبِيتَنَّ لَيلةً
بِوادِي القُرَى إنِّي إذاً
لَسَعِيدُ
وهلْ أَلقَيَنْ فَرداً بُثَينَةَ
مرَّةً
تَجُودُ لَنا مِن وُدِّها
ونَجودُ
عَلِقْتُ الهَوى مِنها وَلِيداً
فَلَم يَزَلْ
إلَى اليَومِ يَنمِي حُبُّها
ويَزِيدُ
وأَفنَيْتُ عُمرِي فِي انتِظارِ
نَوالِها
وأَبْلَيْتُ فِيهَا الدَّهرَ
وهُوَ جَدِيدُ
وَيَمتَازُ شِعرُ جَمِيل بِصدقِ
اللَّهجةِ وحرارةِ العاطِفةِ، وجَمالِ التَّعبِيرِ، ونَصَاعَةِ البَيانِ، وَهُوَ
يَحمِلُ فِي طَيَّاتِهِ وثنايَاهُ حبَّهُ ومَشَاعِرَه، فَكُلَّمَا أَبصَرَ
بُثَينَةَ ازدَادَ عِشقاً، وكلَّما فَارَقَها اضطَرَمَ نَارُ الوَجدِ فِي
فُؤادِهِ، وهُوَ يَعِيشُ مَعَها بِكُلِّ جوارِحِهِ، فَعَقلُهُ مَسلُوبٌ مِن شِدَّة
الهُيامِ، والتَّعلُّقِ بِها، فالحبُّ بَينَهُ وَبَينَها يَزيدُ كلَّما ذُكِرَتْ
وكلَّما رَآهَا، وهِيَ تُبَادِلُهُ ذلِكَ الشَّهدَ الرُّضابَ، فلا يَفتَرِفانِ
رُوحَاً وإنَّما يَفتَرِقانِ جَسَداً، وهذا ما بَدَا لَنَا فِي أَبياتِهِ:
إذا قُلْتُ ما بِي يا بُثَينةُ
قاتِلِي
مِنَ الحُبِّ قالَتْ ثابِتٌ
ويَزِيدُ
وإنْ قُلْتُ رُدِّي بَعضَ عقلِي
أَعِشْ بِهِ
مَعَ النَّاسِ قَالَتْ: ذاكَ
مِنكَ بَعِيدُ
فلا أنا مَردُودٌ بِما جِئْتُ
طالِباً
ولا حُبُّها فِيما يَبِيدُ
يَبِيدُ
يَمُوتُ الهَوَى مِنِّي إذا ما
لَقِيْتُها
ويَحيَا إذا فَارَقْتُها
فَيَعُودُ[5]
وصَارَتْ بُثَينةُ تلتقِي بِهِ
في غَفلَةٍ عن أَعيُنِ أهلِها والرُّقباءِ، وقَد كانَتْ أَخواتُها وصَدِيقاتُها
يُساعِدْنَها فِي تَأمِينِ اللِّقاءِ بينَهُما، وَخَافَ أهلُها -حِينَ سَمِعُوا-
مِن عَواقِبِ لقائِهِما، فَضَيَّقُوا علَيها الخِناقَ، علَى الرُّغمِ مِن
مَعرفَتِهِم أنَّ هذا الحبَّ بَينَها وبَينَ جميلٍ حبٌّ طاهِرٌ وبَرِيءٌ
وَنَقِيٌّ. وأَصبَحَتِ الأَلسِنَةُ لا تَكُفُّ عنِ التَّعرِيضِ بالمتحابَيْنِ،
فَهَجَرَتْهُ واحتَجَبَتْ دُونَهُ مُرغَمةً، وهُوَ علَى ذلِكَ لا يَسلُوها،
يَقُولُ[6]:
وإنِّي لأَرضَى مِن بُثَينَةَ
بِالَّذِي
لو اَبْصَرَهُ الواشِي لَقَرَتْ
بَلابِلُهْ
بِلا وبِأنْ لا أستَطِيعُ
وبِالمُنَى
وبِالأَمَلِ المرجُوِّ قَد خَابَ
آمِلُهْ
وبِالنَّظرَةِ العَجْلَى
وبِالحَولِ تَنقَضِي
أَواخِرُهُ لا نَلتَقِي
وأَوائِلُهْ
وكانَتْ تَتَحَيَّنُ الفُرَصَ
لِتلتَقِيَ بِهِ، فَتُشرِقُ رُوحُهُ حِينَ يَرَاها، وَتَنتَعِشُ نَفسُهُ،
وتَنشَرِحُ أَسَارِيرُه، ويَسعَدُ سَعادةً لا نَتَخيَّلُها، وَكَانَ قَد خَطَبَها
مِن أَبِيها فَردَّهُ، كَراهَةَ أَنْ تُعَيِّرَهُ العَرَبُ، لأنَّهُم كانُوا لا يُزوِّجُونَ
بَنَاتِهِم ممَّنْ يَتَغَزَّلُونَ بِهِنَّ، ويُزوِّجُها أبُوها مِنْ رَجُلٍ آخَرَ
مِن القِبِيلةِ يُسمَّى نُبَيهَاً فَتَسوَدُّ الدُّنَيا فِي عَينِ جَميلٍ،
ويَلتَاعُ لَوعةً شَدِيدَةً، ويُصبِحُ حُبُّها كُلَّ حَياتِهِ، فَهُوَ يَملِكُ
علَيهِ كُلَّ شَيءٍ ويأخُذُ علَيهِ كلَّ طريقٍ، فَقاَلَ:
لَها فِي سَوادِ القَلبِ
بِالحُبِّ مِيْعَةٌ
هِيَ المَوتُ أو كادَتْ علَى
الموتِ تُشرِفُ
وَمَا ذَكَرَتْكِ النَّفسُ يا
بَثنُ مرَّةً
مِن الدَّهرِ إلَّا كادَتِ
النَّفسُ تَتلَفُ
وإلَّا اعتَرَتْنِي زَفرَةٌ
واستِكانَةٌ
وَجَادَ لَهَا سَجْلٌ مِن
الدَّمعِ يَذرُفُ
وَمَا استطرَفَتْ نَفسِي حدِيثاً
لِخُلَّةٍ
أُسَرُّ بِهِ إلَّا حَدِيثُكِ
أَطرَفُ
ولَقَد حَاوَل الشَّاعِر
العُذرِيُّ المحِبُّ أَنْ يَرفَعَ قَدْرَ مَحبُوبَتِهِ إلَى مَكَانٍ يَلِيقُ
بِالحُبِّ الَّذِي أَجهَدَ نَفسَهُ مِن أَجلِهِ، فَجَمِيلُ بُثَينةَ مَثلاً لا
يَكتَفِي بِتَشبِيهِ صَاحبَتِهِ بَالبَدرِ، بَل يُخبِرُنا أَنَّ اللهَ فَضَّلَهَا
علَى كَثيرٍ مِنْ خَلْقِهِ، إذ اختَصَّها بِحُسنٍ فَرِيدٍ بَينَ النَّاسِ،
مِثلَمَا خَصَّ لَيلَةَ القَدرِ بِتَفضِيلِهَا علَى بَقِيَّةِ اللَّيالِي.وذلِكَ
يَنُمُّ عَن رُوحٍ إسلامِيَّةٍ، وَيَدُلُّ علَى ثَقَافَةٍ تَتَمَثَّلُ فِي
استِعمَالِ الأَلفَاظِ والمَعَانِي القُرآنيَّةِ، يقول[7]:
هِيَ البَدرُ حُسْنَاً،
والنِّسَاءُ كَواكِبٌ
وشَتَانَ ما بَينَ الكَواكِبِ
والبَدرِ
لَقَد فُضِّلَتْ حُسْناً علَى النَّاسِ
مِثلَما
علَى أَلفِ شَهرٍ فُضِّلَتْ
لَيلَةُ القَدرِ
وغَزَلُ جَمِيلٍ مِن أَروعِ
صُورِ الغَزلِ فِي الأَدبِ العَربِيِّ، لِمَا فِيهِ مِن سُمُوٍّ وَنُبلٍ
وَطَهَارةٍ وَنَقَاءٍ، وَهُوَ غَزَلٌ يَمسَحُ علَيهِ الإِسلامُ وَمَا أَحاطَ بِهِ
المرأةَ مِن جَمالٍ وَجَلالٍ وَوَقارٍ، وَمَا حَرَّمَ مِن الآَثامِ ظَاهِرةً
وباطِنةً، وَلَكِنَّ مَسحَةَ الحُزنِ كَانَتْ ظَاهِرَةً عَلَيهِ ولَوعةَ الحُبِّ
وفِراقَ المحبُوبةِ، فَيَقِفُ علَى دِيارِ المحبُوبَةِ ويُناجِيها فَلا تَرُدُّ
وهُوَ يَتَذَكَّرُ أيَّامَهُ مَعَها، وَقَد تَسَاقَطَتْ دُموعُهُ علَى خَدَّيّهِ
حِينَ تذكَّر أيَّامه مَعَ بُثَينَةَ فَقَالَ:
إنَّ المنازِلَ هَيَّجَتْ
أطرابِي
واستَعجَمَتْ آياتُها بِجَوابِي
قَفراً تَلُوحُ بِذِي اللُّجَينِ
كأنَّها
أَنضَاءُ رَسمٍ أو سُطُورُ
كِتابِ
لمَّا وَقَفْتُ بِها القَلُوصَ
تبادَرَتْ
مِنِّي الدُّمُوعُ، لِفُرقَةِ
الأَحبَابِ
وَذَكَرْتُ عَصراً يا بُثَينَةُ
شاقَنِي
وذَكَرْتُ أيَّامِي وشَرخَ
شَبَابِي[8]
وَلَقَد عانَى جَمِيلُ بُثينةَ
مِن الهَجرِ واللَّوعَةِ، فَلا يَدنُو مِن مَحبُوبتِهِ إِلَّا بِاحتِياطٍ
وَحَذَرٍ، بَل إذا هُوَ يَرَى دُونَها صِعاباً أيَّ صِعابٍ، فَيَتَحَوَّلُ إِلَى
نَفسِهِ يَشكُو مَا أَصَابَهُ مِن تَبَارِيحِ الهَوَى وَأَلمِ الفِراقِ
وَأَوصَابِهِ شَكوَى تَشُفُّ عَن جِراحَاتِهِ وَعَذَابَاتِهِ فِي ذلِك الحُبِّ
المَجنُونِ، وهِيَ شَكَوى يَضرَعُ فِيهَا أَحيَاناً إلَى اللهِ أنْ يَجمَعَهُ بِها
وتَتَلطَّفُ بِهِ وتَتَعَطَّفُ علَيهِ، فقالَ:
إلَى اللهِ أشكُو لا إلَى
النَّاسِ حُبَّها
ولا بُدَّ مِن شَكوَى حَبِيبٍ
يُرَوِّعُ
ألا تَتَّقِينَ اللهَ فِيمَنْ
قَتَلْتِهِ
فَأَمسَى إلَيكُمْ خاشِعاً
يَتَضَرَّعُ
فَيَا رَبِّ حَبِّبْنِي إلَيها
وأَعطِنِي ال
موَدَّةَ مِنها أَنتَ تُعطِي
وتَمنَعُ[9]
وقالَ خَلِيلِي: إنَّ ذا
لَصَبَابَةٌ
أَلا تَزجُرُ القَلبَ
اللَّجُوجَ، فَيَلحَقُ
وكَانَتْ تَظهَرُ علَى جميلٍ
إماراتُ الشَّوقِ والهَوَى وَالوَجدِ والهُيامِ والوَلَهِ والتَّيمِ والشَّغَفِ
والعِشقِ والكَلَفِ بِسَببِ حِرمَانِهِ مِن رُؤيَةِ المَحبُوبةِ، وَكَانَ يَقنَعُ
بِرُؤيتِها فَتَهدَأُ نَفسُهُ، وَتَرتَاحُ أَفكَارُهُ، وَيَسَعَدُ فِي يَومِهِ،
وَتَظهَرُ علَيهِ علامَاتُ الرِّضا والقَناعةِ، وَذلِكَ مِن النَّظرةِ الخَاطفةِ،
وَالالتِفَاتَةِ العَابرةِ، بِالرُّغمِ مِن أنَّهُ يُقدِّمُ لهذا الحُبِّ كُلَّ
غالٍ وَنَفِيسٍ، وَدَائِماً يَتَخَيَّلُ مُحاوَرةً بَينَهُ وَبَينَ صَاحِبِهِ
لِيُسَلِيَ قَلبَهُ المَحزُونَ، فَقَالَ:
تَعزَّ، وإنْ كانَتْ علَيكَ
كَرِيمَةٌ
لَعَلَّكَ مِن رِقٍّ، لِبَثنَةَ،
تَعتِقُ
فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ البِعادَ
لَشَائِقِي
وَبَعضُ بِعادِ البَينِ،
والنَّأيُ أشوَقُ
وَيُنادِي المَحبُوبةَ نِداءً
حارَّاً مِن سُوَيدَاءِ القَلبِ عَلَّها تَذكُرُ أَيَّامَهُ الجَمِيلَةَ مَعَهُ،
وَتُعِيدُ تِلكَ الذِّكرَيَاتِ بِلَونٍ جَدِيدٍ لا يَبلَى، وَتَكُونُ لَهُ خَيرَ
مُحِبٍّ، وَفيَّةً فِي وُعُودِهَا، مُحَافِظَةً علَى عُهُودِها، وَأَلَا تَبتَعِدَ
عَنهُ مَهمَا كَانَتِ الأَقدَارُ بَينَهُما، فَقَالَ:
أَبَثنَةُ لِلوَصلِ الَّذِي
كَانَ بَينَنا
نَضَا مِثلَما يَنضُو الخِضَابُ فَيَخلُقُ
أبَثنَةُ، ما تَنأَيْنَ إلَّا
كأنَّنِي
بِنَجمِ الثُّرَيَّا، ما
نَأَيْتُ، مُعَلَّقُ
وَكَانَ جَمِيلٌ شَاعِراً مِن
شُعراءِ الحُبِّ العُذرِيُّ دائِمَ العَطاءِ، يَذُوبُ فِي عَطائِهِ، ويتَّحِدُ فِي
قِيَمِهِ الإنسانيَّةِ، فَهَوَ يبذُلُ أعلَى دَرَجاتِ التَّضحِيَةِ والمُكابَدةِ
مِن أَجلِ الرُّوحِ، فَالحُبُّ عِندَهُ جِهادُ نَفْسٍ، وحِكمَةُ مُعَمَّرٍ، وقِصةُ
حاضِرٍ، مَلِيءٍ بِالأَحزَانِ حِينَاً، و بِالأَفراحِ آخرَ، فَهُوَ دَائِمُ
الذِّكرِ لِلحَبِيبةِ، وَيَتَمَنَّى أَنْ تَدُومَ مَودَّتُها، ولا تَنقَطِعَ،
فَيَتَبادَلانِ كُؤُوسَ الشَّوقِ وَالمحبَّةِ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
يَقُولُونَ جَاهِدْ يا جَميلُ
بِغزوةٍ
وأيُّ جِهادٍ غَيرَهُنَّ أُرِيدُ
لِكُلِّ حَدِيثٍ بَينَهُنَّ
بَشَاشَةٌ
وكُلُّ قَتِيلٍ عِندَهُنَّ
شَهِيدُ
فَمَا ذُكِرَ الخُلَّانُ إلَّا
ذَكَرْتُهُا
ولا البُخلُ إلَّا قُلْتُ: سوفَ
تَجُودُ
فَهَلْ أَلقَيَنْ فَرداً
بُثَينَةَ لَيلَةً
تَجُودُ لَنَا مِنْ وُدِّهَا
فَنَجُودُ[10]
وَكَانَ جَمِيلٌ فِي حبِّه
لبثينةَ صادِقاً ولِهاً مُتَلَوِّعاً، مُتَعطِّشَاً لِرُؤيتِها، ظَمَؤُهُ لا
يَقِفُ عِندَ حَدٍّ، لا يَنِي يَتَغنَّى بِمَعشُوقَتِهِ، مُتَذلِّلاً
مُتَضَرِّعاً، فَهِيَ مَلاكُهُ السَّماوِيُّ، وكأنَّها أقبلَتْ علَيهِ مِن
مَجَاهِيلَ سَحِيقةٍ تُعِيدُ إلَى نَفسِهِ الأَملَ بَعدَ يَأسٍ والرَّبيعَ بَعدَ
قَحطٍّ، والسُّرُورَ بَعدَ حُزنٍ وَغَمٍّ، وَهُوَ لا يَزالُ يُنَاجِيها مُناجَاةً
شَجِيَّةً، يُصَوِّرُ فِيهَا وَجْدَهُ الَّذِي لَيسَ بَعدَهُ وَجْدٌ، وَعَذَابَهُ
الَّذِي لا يُشبِهُهُ عَذَابٌ، فَقَالَ:
رَحَلَ الخَلِيطُ جِمالَهُم
بِسَوادِ
وَحَدَا، علَى أثرِ الحبيبِةِ،
حادِ
ما إنْ شَعَرْتُ، ولا عَلِمْتُ
بِبَيْنِهِم
حتَّى سَمِعْتُ بِهِ الغُرابُ
يُنادِي
لمَّا رأَيْتُ البَينَ، قُلْتُ
لِصَاحِبِي:
صَدَعَتْ مُصَدَّعةُ القُلُوبِ
فُؤادِي
بانُوا، وغُودِرَ فِي الدِّيارِ
مُتَيَّمٌ،
كَلِفٌ بِذِكرِكِ، يا بُثَيةُ،
صادِ[11]
وَتَمضِي بِجَميلٍ الأيَّامُ ولا
يَنسَى بُثَينَةَ، بَلْ يَذكُرُها فِي حِلِّهِ وتِرحَالِهِ صُبحِهِ ومَسَاهُ، فِي
يَقظَتِهِ ويَحلُمُ بِها فِي مَنَامِهِ، وقد يُمسِي كَهلاً، ويَصيرُ إلَى
الشَّيخُوخةِ ولا يَزالُ حبُّها شابَّاً فِي فُؤادِهِ، لا يُؤثِّرُ فِيهِ
الزَّمَنُ، ولا يَرقَى إلَيهِ السُّلوانُ، فهِيَ فِي سُويداءَ الحَشَا، لا
تُغَادِرُهُ، بَل تَظَلُّ فِيهِ مُعذِّبَةً وَهُوَ مِنهَا فِي هُيامٍ دائِمٍ،
فَقَالَ:
حلَّتْ بُثَينَةُ مِنْ قَلبِي
بِمنزِلةٍ
بَينَ الجَوانِحِ لم ينزِلْ بِها
أَحَدُ
صَادَتْ فُؤادِي بِعَينَيها
وَمُبتَسَمٍ
كأنَّهُ - حِينَ أَبدَتْهُ لَنَا
- بَرَدُ
عَذْبٍ كَأنَّ ذَكِيَّ المِسكِ
خالَطَهُ
والزَّنجَبِيلُ وَمَاءُ المُزنِ
والشَّهَدُ
وجِيدِ أَدماءَ تَحنُوهُ إلَى
رَشَأٍ
أَغَنَّ لم يَتَبِّعْها مِثلَهُ
وَلَدُ[12]
وَرَوَى صَاحِبُ الأغانِي أنَّ
السُّلطانَ أَهدرَ دَمَ جَمِيلٍ لِرهطِ بُثينَةَ، إنْ وَجَدُوهُ قد غَشِيَ
دُورَهُم. فَحَذَّرَهُم مَرَّةً، ثُمَّ وَجَدُوهُ عِندَها، فتوعَّدُوهُ وكرِهُوا
أنْ يَنشِبَ بينَهُم وَبَينَ قَومِهِ حَربٌ فِي دَمِهِ، وَكَانَ قَومُهُ أَعزَّ
مِن قَومِها، فَأَعادُوا شَكوَاهُ إلَى السُّلطانِ، فَطَلَبَهُ طَلَباً شَدِيداً،
فَهَرَبَ إِلَى اليَمنِ، وَأَقَامَ بِها مُدَّةً مِن الزَّمنِ، لكنَّ الشَّوقَ
كَابَدَهُ، وخَيالُ الحَبِيبةِ لا يُفارِقُهُ، رَغمَ البُعدِ وَالأَلمِ،
فَرَائِحَةُ بَثنَةَ طِيِّبٌ وعَنبرٌ، وهذا مَعنويٌّ ومادِيٌّ أَيضاً، فهُوَ فِي
اليَمنِ، وهِيَ فِي تَيمَاءَ مِن شَمالِ المَدينةِ، فَقَالَ:
ألمَّ خَيالٌ، مِنْ، بُثَينَةَ،
طارِقٌ،
علَى النَّأيِ، مُشتاقٌ إلَيَّ
وشَائِقُ
سَرَتْ مِنْ تِلاعِ الحِجرِ،
حتَّى تَخَلَّصَتْ
إليَّ، وَدُونِي الأَشعَرُونَ
وَغَافِقُ
كَأنَّ فَتِيتَ المِسكِ خَالطَ
نَشرَها
تُغَلُّ بِهِ أَردَانُها
وَالمَرافِقُ
تَقُومُ إذا قَامَتْ بِهِ مِن
فِراشِها،
ويَغدُو بِهِ مِن حُضنِها مَنْ
تُعانِقُ
وهَجرُكِ مِن تَيما بَلاءٌ
وشِقوةٌ
علَيكَ، مع الشَّوقِ الّذِي لا
يُفارِقُ[13]
وَمَا مِن شَكٍّ أنَّ حُبَّ
جَمِيلٍ لِبُثَينةَ حُبٌّ عَفِيفٌ طاهِرٌ، وإنْ كانَ بَعضُ النَّاسِ يَشُكُّ فِي
ذلِكَ، أو حتَّى بَعضُ الدَّارِسينَ المحدَثِينَ، لكنَّ واقِعَهُ يُثبِتُ غَيرَ
ذلِكَ فَهُوَ صَاحِبُ عِفَّةٍ وطُهرٍ، كَما أنَّها كانَتْ أَيضَاً عَفِيفةً طاهِرةً،
أحبَّتْ جِمِيلاً بِصِدقٍ كما عَشِقَها بحرارةٍ وصِدقٍ كذلِكَ، فَقَالَ:
لا والَّذِي تَسجُدُ الجِباهُ
لَهُ
ما لِي بِما دُونَ ثَوبِها
خَبَرُ
ولا بِفِيها، ولا هَمَمْتُ بِهِ
ما كانَ إلَّا الحَدِيثُ
والنَّظَرُ[14]
وعلَى الرُّغمِ مِن هَدرِ وَالِي
تَيمَاءَ دَمَهُ إلَّا أنَّهُ ما زالَ يَتغَزَّلُ بِبُثَينَةَ، وَيِحُبِّها
حُبَّاً شَدِيداً مَلَكَ علَيهِ لبَّهُ وَعَقلَهُ، فهُوَ فِي حَالةٍ لا تَستَقِيمُ
فِيهَا حَياتُهُ إِلَّا بِلِقائِها مَهمَا كَلَّفَهُ ذلِك، وأنَّ دَمَهُ لا
يُساوِي شَيئاً مُقَابِلَ حُبِّهِ لَهَا، فَمَهْدُ حُبِّهِ وَادِي القُرى يُلبِّي
دَعوتَهُ مَتَى نَادَاهُ، ولَو كَانَتِ الحَبِيبَةُ فِي تَيماءَ لَتَبِعَها،
فَحُبُّهُ قَدِيمٌ ولا تُغيِّرُهُ التَّهدِيدَاتُ، أَو البُعدُ أو غَيرُ ذلِكَ،
فَقَالَ فِي ذلِكَ:
أَتَانِيَ عَن مَروانَ،
بِالغَيبِ، أنَّهُ
مُقِيدٌ دَمِي، أو قَاطِعٌ
لِسانِيَا
فَفي العِيسِ مَنجَاةٌ، وفِي
الأَرضِ مَذهَبٌ
إذا نَحنُ رَفَّعْنا لَهُنَّ
المثَانِيَا
أَقُولُ لِداعِي الحُبِّ،
والحِجرُ بَينَنا،
ووادِي القُرى: لَبَّيكَ لَمَّا
دَعانِيَا
وقَالُوا: بِهِ داءٌ عَيَاءٌ
أَصابَهُ
وقَدْ عَلِمَتْ نَفسِي مَكانَ
دَوائِيَا
وَظَاهِرةُ المَقطُوعةِ
الغَزليَّةِ العُذريَّةِ عِندَ جَميلٍ تَكادُ تَكُونُ لَوحَةً فَنيَّةً بَدِيعةً
تَنبُضُ فِيهَا أَلوانُ الحُبِّ وَالحَياةِ، فَهِيَ تُعَالِجُ مَعَانِيَ الشَّوقِ
واللَّهفةِ، والوَفاءِ الصَّادقِ، والودِّ الصَّافِي الَّذِي لا يُخالِطُهُ شَيءٌ
آخرُ، فَهُوَ يَعِيشُ لِحَبِيبَتِهِ، وهِيَ تَعِيشُ لَهُ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
أَمضرُوبَةٌ لَيلَى علَى أنْ
أزُورُها
ومَتَّخِذٌ ذَنبَاً لَهَا أنْ
تَرانِيَا
هِيَ السِّحرُ، إلَّا أنَّ
للسِّحرِ رُقيَةٌ،
وإنِّيَ لا أُلفِي لَهَا،
الدَّهرَ، رَاقِيَا
أُحِبُّ الأَيامَى، إذْ
بُثَينَةُ أيِّمٌ،
وأَحبَبْتُ، لَمَّا أَنْ
غَنَيْتِ، الغَوانِيَا
أُحِبُّ مِن الأسماءِ ما وافَقَ
اسمَها،
وأشبَهَهُ، أو كانَ مِنهُ
مُدانِيَا
وَدِدْتُ، علَى حُبِّ الحَياةِ،
لَو انَّها
يُزادُ لَهَا في عُمرِها، مِن
حَيَاتِيَا
وأَخبَرْتُمانِي أنَّ تَيماءَ
مَنزِلٌ
للَيلَى، إذا ما الصَّيفُ ألقَى
المراسِيَا
ويرى الدكتور شكري فيصل: أنَّ
الغَزلَ العُذريَّ يَنطبِعُ بهذِهِ الطَّوابِعِ العَامَّةِ:
1- بَسَاطةُ مَعانِي الحُبِّ الَّذِي يُعبِّرُ
به، ويَنهَبُ عواطِفَهُ.
2- الصِّدقُ النفسيُّ، فَقَد يَصدُرُ الحبُّ عن
صاحبِهِ تَدفُّقِ الماءِ من اليَنبُوعِ إضافة إلَى الصِّدقِ الفَنِيِّ، حيثُ
يُعبِّرُ الشَّاعِرُ عن حبِّهِ دونَ زَيفٍ.
3- وَحدَةُ الغَرضِ والاتِجاهِ، بحيثُ يَنشغِلُ
المحبُّ بِمَحبوبَتِهِ ولا يَتَجاوزُهُ بل يَستَغرِقُ فِيهِ.
4- الأُسلُوبُ المباشَرُ، حيثُ يتَّجِهُ
الشَّاعِرُ إلَى الحُبِّ وَحدَهُ دُونَ التِواء.
5- العِفَّةُ فِي التَّعبِيرِ، وطُهرُ القَولِ،
وعدمُ التَّطرُّق إلَى المغرَياتِ الجِنسيَّةِ.
6- تَصوِيرُ حالةِ اليَأسِ الَّتِي يَعِيشُها
الشَّاعِرُ بِسببِ أَسرِ المحبُوبةِ لَهُ.
7- الصَّفاءُ والإشراقُ، حيثُ يتطابقُ عُمقُ
الحبِّ معَ قوَّةِ اللُّغةِ الشِّعريَّةِ وجَزالتِها
خاتِمةٌ:
وأَخِيراً فإنَّ الغَزلَ كانَ
مَوجُوداً فِي العَصرِ الجَاهِلِيِّ، وكانَ مَعرُوفاً لَدَى الشُّعراءِ
الجاهِليِّينَ ولكِنَّهُ يُسَاقُ فِي أثناءِ التَّطرُّقِ لِلأغراضِ الشِّعريَّةِ
الأُخرَى، كَالمَديحِ والفَخرِ والهِجاءِ.
وفِي العَهدِ الأُمويِّ وفِي
بِيئةِ الحِجازِ تَجِدُ بَعضَ الشُّعراءِ قد قَصَرُوا شِعرَهُم وحياتَهُم علَى
الغَزلِ العُذرِيِّ وَحدَهُ، ولم يَتَّجِهُوا نَحوَ الفُنُونِ الشِّعريَّةِ
الأُخرَى إلَّا قَلِيلاً، ممَّا أدَّى إلَى انتِشارِ هذا النَّوعِ الشِّعريِّ عِندَهُم
انتِشَاراً واسِعاً، وَانطبَعَ بِطابِع حَيَاتِهِم اليَوميَّةِ واكتَسَبَ خَصائِصَ
جَدِيدةً لم تَكُنْ مَوجُودةً فِي غَزلِ الشُّعراءِ الجاهِليِّينَ وقَد اشتُهِرَ
غيرَ شاعِرٍ في الجِنسِ الأدبِيِّ الرَّائِدِ، وعرفوا بهذا الفنِّ الشِّعريِّ،
وجميلُ بُثَينَةَ واحِدٌ مِن أشهرِ أولئِكَ وأَحسنُهُم شِعراً وأطيبُهُم طَبعاً
وأَثراً.
مصادر البحث:
1- اتجاهات الشعر في العصر الأموي د. صلاح
الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1986م.
2- تطور الغزل بين الجاهليّة والإسلام د. شكري
فيصل، دار العلم للملايين، بيروت، 1985م.
3- ديوان جميل بثينة. جمع وتحقيق: د. حسين
نصار، دار مصر للطباعة، 1956م.
4- الغزل في العصر الجاهلي د. أحمد محمد
الحوفي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1972م.
5- العصر الإسلامي :شوقي ضيف، دار المعارف،
القاهرة، 1960م.
[1] ديوان جميل بثينة. جمع وتحقيق: د. حسين
نصار، دار مصر للطباعة. ص6
[2] الغزل في العصر الجاهلي د. أحمد محمد
الحوفي، دار نهضة مصر، القاهرة، 1972م، ص 164.
[3] تطور الغزل بين الجاهليّة والإسلام د. شكري
فيصل، دار العلم للملايين، بيروت، 1986م، ص 283.
[4] اتجاهات الشعر في العصر الأموي د. صلاح
الدين الهادي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1986م، ص 432.
[5] ديوان جميل ص27.
[6] العصر الإسلامي :شوقي ضيف، دار المعارف،
القاهرة، 1960م، ص 368.
[7] ديوان جميل ص 27.
[8] ديوان جميل ص27.
[9] العصر الإسلامي ص177.
[10] ديوان جميل ص 40-41.
[11] ديوان جميل ص 46.
[12] ديوان جميل ص53.
[13] الديوان ص 94.
[14] ديوان
جميل ص70.د. سعد الدين إبراهيم المصطفى