-->
صدى المعرفة صدى المعرفة

المدرسة الرمزية والادب


المقدمة:
       
تطورت الآداب الأوربية وبدأت تتضح معالمها منذ بداية عصر النهضة عبر مسارات فنية متميزةاصطلح النقاد على تسميتها بـالمذاهب الأدبيةالتي تعد تعبيرا أمينا عن حالات نفسية عامة أوجدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياةونعني بالمذاهب الأدبية من الناحية النظرية هي تلك المذاهب التي وضع أسسها الشعراء والنقاد والكتّاب, وبينوا الأصول النظرية التي تقوم عليها سواء فلسفية أو فنية.
هذه المذاهب على اختلاف منازعها وتباين اتجاهاتها, اطلع عليها أدباؤنا وأفادوا منها, واتخذوا من بعض مبادئها أسسا لتطوير أدبنا العربي, وما يتعلق به من نظريات ومفاهيم نقدية, وغدا يُجاري أعظم الآداب العالمية من حيث مستواه الرفيع ومن حيث موضوعاته وأشكاله.
الرمزية
هي الإيحاء أو التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة, والتي لا تقو على أدائها اللغة في دلالاتها الوضعية, والرمز هو الصلة بين الذات والأشياء, فتولد الإثارة النفسية عن طريق الإحساسات لا عن طريق التصريح والتسمية.
  
والرمزية مذهب أدبي خلف البرناسية [الفن للفن]في الشعر, وتأتي في المرتبة الثانية بعد الرومانسية من حيث الغنائية.
وقد ظهر وتبلور هذا المذهب في النصف الثاني من القرن الـ19, عندما أصدر جماعة من الكتّاب مقالا سمّوه [مانيفستو] يعلنون فيه عن ميلاد تجربة جديدة, تستخدم فيها الكلمات حالات وجدانية. وكتب الشاعر الفرنسي بودلير قصيدة مشهورة بعنوان [المراسلات] فيها للرمز دور بارز وبها عُدّ مؤسس هذا المذهب وتلاه تلميذه رامبو (1891) الذي عدّ الشعر صناعة لفظية لا فكريةوكذلك الشأن لـمالا رميه الذي نحا النحو نفسه 1898, وإذا شهدت فرنسا ازدهارا لهذا المذهب, فإن إنجلترا رغبت عنه.
ومن أبرز الشخصيات في المذهب الرمزي في فرنسا وهي مسقط رأس الرمزية:
الأديب الفرنسي بودلير 1821 – 1967م وتلميذه رامبو.
ومالارراميه 1842 – 1898م ويعد من رموز مذهب الحداثة أيضاً.
بول فاليري 1871 – 1945م.
وفي ألمانيا ر.مريلكه وستيفان جورج.
وفي أمريكا يمي لويل.
وفي بريطانيا: أوسكار وايلد.

1- الرمزية في الأدب الغربي
     الرمزية طريقة في الأداء الأدبي , تعتمد على الإيحاء بالأفكار والصور والأحاسيس , وإثارتها بدل تسميتها ووصفها , وهي بمثاليتها تناقض الواقعية .

نشأتها :
 ترعرت الرمزية في ظل الفلسفة المثالية كرد على النزعة المادية وتفسيرها الجبري للحياة وتنكرُ المثاليةُ قدرةَ العلمِ على إدراكِ الحقائق ِ , فهناك أسرار يقف العلم عاجزاً عن الوصول إليها .
ـ استند الرمزيون على النتائج التي وصل إليها علم النفس في تقسيم العقل البشري إلى منطقة الوعي ومنطقة اللاوعي , فمنطقة اللاوعي هي مجال الشعر وفيها تكمن الحقيقة .
ـ مهد لهذه المدرسة الشاعر الفرنسي بودلير وقد ترجم للشاعر الأمريكي ( إدغار آلان بو ) وهو يرى أن الشعر خلق من الجمال منغَّم , والغموض عنصره الأول , وأن التعطش إلى اللانهائي هو من طبيعة الإنسان , وقد ظهر ذلك في ديوانه ( أزاهير الشر ) . ويعدّ رائداً للمدرسة الرمزية .
ـ ولم يتبلور هذا المذهب في فرنسا إلا بعد سقوط فرنسا أمام بسمارك عام 1870م وسقوط الثورة الفرنسية , وشيوع الخيبة واليأس في الشعر الفرنسي .
ـ واهم شعراء هذا المذهب في فرنسا ( رامبو ومالارميه وفيرلين )
ـ ولم تعش الرمزية طويلاً بسبب انعزاليتها وإنكارها لمعطيات الواقع والعلم .
الموضوعات ووسائل الأداء :
الشعر الرمزي شعر وجداني وهو منبثق من الشعر الإبداعي , ولكنه يختلف عنه في أنه رد فعل على الإبداعية المسرفة , فهو لا يعبر عن عواطف مفصلة واضحة , بل يعبر عن مشاعر مبهمة وحالات نفسية غير محددة .
والشعر ومضات سريعة وخلجات عابرة , ولكي تصل الرمزية إلى هذا المناخ الشعري غيّرت في وسائل الأداء .
وسائل الأداء في الرمزية :
1ـ الشعر كلمات : رأى الرمزيون أن اللغة جمدت من فرط الاستعمال , ولم تعد قادرة على مواكبة الإحساسات العصرية , وهي واضحة عقلية , وأعماق الذات ضبابية رمزية , فحاولوا إيجاد حل لأزمتها .
ـ فاكتشف بودلير جمالية القبح , وأدخل إلى اللغة ألفاظاً كانت ممنوعة قبله مثل ( الحلازين – القبور – العظام ) .
ـ واهتم رامبو بلون الكلمة وإيقاعاتها الداخلية .
ـ ولجأ مالارميه إلى الانزياحات اللغوية , وحمّل اللغة ما لا تحتمل فأصبحت اللغة أهم من الموضوع في القصيدة .
2ـ الشعر موسيقا : اعتبر الرمزيون أن النغم أساس القصيدة ومفتاحها , فالمناخ الشعري يسهل الوصول إلى منطقة اللاشعور , ورأوا أن أثر الصوت لا يقل عن أثر العطر أو اللون .
فقد استنجد بودلير بالموسيقا :
تحملني الموسيقى مثل البحر
نحو نجمتي الشاحبة
أدفع الشراع تحت سقف ضباب أو في أثير واسع
3ـ الشعر صورة وعلاقات جديدة : يلجأ الشاعر الرمزي في صوره إلى العلاقات غير المتوقعة بين طرفي التشبيه , كقول بودلير : أنا جميلة أيها البشر , كحلم من حجر
ـ ولجأ الرمزيون إلى ما يسمى ( تراسل الحواس ) فالحواس تتبادل , والشاعر يستطيع تشبيه المؤثرات السمعية بالبصرية أو اللمسية لأن وقعها في النفس متشابه .
ـ ويرى بودلير أن ( تداخل الحواس ) يجعل الكلمة غابة من الرموز , فتأخذ الكلمات دلالات جديدة تمكن من الوصول إلى منطقة اللاشعور .
4ـ الشعر رمز: الرمز هو الأداة الرئيسية للتعبير في هذا المذهب – والرمز أقدر على نقل الحالات النفسية والشعورية التي لا يصرح بها الشاعر , كالرمز باللون الأحمر إلى الثورة والحركة والحياة , وهذا هو سبب إبهام الشعر .
5ـ الشعر الحرّ: أدى تغير البنية الداخلية للشعر إلى تغير شكل القصيدة الخارجي , وقد رأى الشعراء الرمزيون أن على الشاعر أن يُخضع القالب الشعري لخوالجه المتغيرة , فأطلقوا حرية الشكل وحاولوا العثور على النغمة المطابقة لخفقات الروح والوجدان .
2 ـ الرمزية في الأدب العربي الحديث 
الفرق بين الرمز والرمزية :
الرمز : موجود في كل أدب , شعري ونثري , فالليل في قصيدة امرئ القيس رمز لحالته الوجدانية , وهو يوحي بالحزن والحقد والخيبة .
الرمزية : هي مدرسة أدبية ذات أسس ومقاييس محددة , وهي بنت الفكر الذي أنتجها والمجتمع الذي احتضنها .
الرمزية في النثر العربي :
ـ كان جبران أول من التقت في نثره تيارات الإبداعية والرمزية والصوفية .
ـ وتميز نثره بالحس الرفيع واستخدام الألفاظ الموحية والعبارات الحالمة .
ـ وتظهر الرمزية عنده في شخصية ( حفار القبور ) فالحفار قناع رمزي يبسط من خلاله جبران أفكاره ومواقفه . وهو ثوري يرى مالا يراه الإنسان العادي كبنات الجن , ويميز بين الأموات والأحياء في المجتمع ويدعو مخاطبه ليتزوج صبية من بنات الجن , ويتعلم حفر القبور , ومن خلال الدلالات المتلاحقة يعبّر عن ثورته على التقاليد التي سيطرت على عقول الناس .
الرمزية في الشعر العربي :
س دورة ( 1995 ) : تحدث عن الرمزية في الشعر العربي الحديث وأيد ما تذهب إليه بشاهد واحد من الشعر العربي الحديث.
ـ ظهرت الرمزية عند بعض الشعراء في سورية ولبنان ومصر والعراق . فاتخذوها مذهباً لهم .
ـ منهم من سار فيها حتى النهاية . ـ ومنهم من استفاد منها ثم تحول إلى غيرها .
من الفئة الأولى :
ـ رائدها : الشاعر سعيد عقل الذي مهّد لها في المقدمة النقدية لقصيدة المجدلية .
ويرى أن غاية الشعر نقل حالة نفسية مستعصية على التحليل العقلي .
والشعر عنده مناخٌ وليس أفكاراً , وهو مناخ ضبابي موسيقي يعتمد على الإيحاءات الموسيقية والصور الرمزية , ويستند إلى تبادل الحواس , فالحب أغنية أطيب من الشذا كما يقول :
هــواك يـا شـاعـري أغـنـيـة الـخـاطـر
أطيـب , أشـهـى , ألذّ مـن شـذا عـابــر
ـ ويتوق سعيد عقل إلى الوصول إلى شعر رمزي خالص.
ـ وقد حاول أن يخلق لغة في اللغة , فأضرّ باللغة العربية كثيراً .
والفئة الثانية : س دورة ( 1997 ) : تحدث عن الفئة الثانية الذين اغتنوا بالرمزية وعن استخدام الشعر الحديث للأسطورة .
ـ هناك مجموعة من الشعراء اتخذت الرمزية مذهباً لهم فاستفادت من خصائص الرمزية , واستخدمتها للتعبير عن إحساس دقيق أو تحليل فكرة عميقة أو إضافة قيم جمالية للأدب كالإيحاء والرمز والأسطورة ومنهم : ( بشر فارس ـ وصلاح لبكي ـ ونزار قباني ـ وعمر أبو ريشة ـ و السياب ) .
ـ استخدام الشعر الحديث للرمز الأسطوري : كان يتم بطريقتين :
1ـ استخدامه بشكل سريع في أثناء القصيدة على أنه رمز يغني النص , كاستخدام السيّاب لرمز سيزيف في قوله:
وعند بابي يصرخ المخبرون
وعرٌ هو المرقى إلى الجُلجُلة
والصخرُ , يا سيزيف , ما أثقلَه !
فالشاعر يشبه نفسه بسيزيف الذي يتعذب دائماً بالصخرة التي يجرجرها دلالة على عذابه وغربته . ولكن هذه الرموز لا تؤدي دورها لجهل القارئ بها .
2ـ استخدام الرمز الأسطوري على أن يكون هو القصيدة نفسها شكلاً ومضموناً مادة وهيكلاً :
حيث تغدو الأسطورة شكلاً من أشكال التعبير ومادة له , بعد أن يشكلها الشاعر بطريقة تناسب تجربته الشعورية ومثال ذلك قصيدة ( تموز جيكور ) للسياب .
الانتشار ومواقع النفوذ:

 بدأت الرمزية في فرنسا حيث ولدت أكثر المذاهب(*) الأدبية والفكرية، ثم انتشرت في أوروبا وأمريكا.
 ويكاد يكون هذا المذهب نتيجة من نتائج تمزق الإنسان الأوروبي وضياعه بسبب طغيان النزعة المادية وغيبة الحقيقة، والتعلق بالعقل البشري وحده للوصول إليها، من خلال علوم توهم بالخلاص عند السير في دروب الجمال، ولا شك أن الرمزية ثمرة من ثمرات الفراغ الروحي والهروب من مواجهة المشكلات باستخدام الرمز في التعبير عنها.
أثرها في الأدب العربي:
كان تأثير هذا المذهب قليلا في الأدب العربي, وذلك يعود إلى سببين:
النزعة الأرستقراطية للشعر الرمزي.
الغرض الذي تتسم به التجربة الرمزية مضمونا وشكلا, وهذا ما تأباه وترفضه البلاغة العربية القائمة على الوضوح والقصد.
لذا لقي المذهب بعض الاهتمام من لدن بعض الشعراء العرب كالشاعر اللبناني سعيد عقليوالكاتب المغربي محمد الصباغ, إيليا أبو ماضي وخليل جبرانكلاهما من شعراء المغرب الذين استعانوا بالرمز وتوظيف الأسطورة وشخصيات اسلامية معروفة أو جاهلية ذات شهرة وانتشار.

ويتضح مما سبق:
أن الرمزية مذهب أدبي يتحلل من القيم الدينية، ويعبر عن التجارب الأدبية الفلسفية من خلال الرمز والتلميح، نأياً من عالم الواقع وجنوحاً إلى عالم الخيال، وبحثاً عن مثالية مجهولة تعوض الشباب عن غياب العقيدة الدينية، وذلك باستخدام الأساليب التعبيرية الجديدة، والألفاظ الموحية، وتحرير الشعر من كافة قيود الوزن التقليدية. ولاشك في خطورة هذا المذهب على الشباب المسلم إن درسه دون أن يكون ملماً سلفاً بأسسه المتقدمة والتي تهدر القيم الدينية.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

صدى المعرفة

2016